تخطّت الرياضة في فلسطين جانب «الرفاهية» منذ النكبة، لتصبح مع توالي الأعوام وسيلةً للحفاظ على النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن «المسلوب». أراد الفلسطينيون إبراز هويتهم الوطنية عبر منبر «الألعاب»، لكنّ «المقاومة الرياضية» اصطدمت بالحصار الجغرافي والتعتيم الإعلامي، بتواطؤ من جهات عديدة مع الكيان الصهيوني، منها الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي وافق على إنشاء أندية خاصة بالمستوطنات، تلعب على أراض فلسطينية مسلوبة.وكجزء من محاولاتها اليائسة للقضاء على أصحاب الأرض، انتهكت «إسرائيل» الرياضة الفلسطينية في أكثر من مناسبة، بدءاً من إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الرياضية مثل قصف ملعب فلسطين في غزة، واتحاد كرة القدم، ومبنى اللجنة الأولمبية الفلسطينية ونادي الشهداء... كما تقييد حركة اللاعبين والصحافيين والإداريين داخل فلسطين وخارجها، وصولاً إلى التضييق على التبرعات «النادرة» المرسلَة من اتحادات الرياضات.
وفي محاولاتٍ يائسة أخرى، حاول «مغتصبو» الحق شراء باطلهم مقابل مساعدات رياضية، فأعلنوا مبادرتهم لتجهيز ملاعب ومنشآت خاصة بفلسطين شرط «تعظيم يهودية الدولة»، لكن ما خفي هزّ الكيان. فرغم التضييق والمحاصرة، عرفت الرياضة الفلسطينية ازدهاراً ملموساً في حقبات مختلفة، بدءاً بإنشاء لجان رياضية في المناطق كافة، وصولاً إلى قبول «الفيفا» فلسطين عضواً في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998. وبعد سنوات من إعادة هيكلة القطاع الكروي بأقل الإمكانات الممكنة، «فضّت» فلسطين حصارها «معنوياً» عندما اعتلت «منتخب الكيان الصهيوني» ضمن التصنيف الدولي لكرة القدم عام 2017، كما نجح منتخب «الفدائيين» في التأهل إلى نهائيات بطولة كأس أمم آسيا لكرة القدم لعام 2023 للمرة الثالثة توالياً. حاولوا تقييدهم في أرضهم، فسبقوهم على الساحة العالمية.
كانت الرياضة دائماً واحدة من السبل الأساسية للصمود في فلسطين


بعيداً عن الإنجازات الملموسة في الألعاب كافة، كانت الرياضة سبيلاً للصمود في فلسطين. هي «تنفيسة» فعّالة أمام الحرب النفسية-المعنوية، وتمرين للحفاظ على اللياقة البدنية تحضيراً لأي عملية عسكرية مرتقبة. وعندما «نَدُرت» الموارد، استمرت الرياضة وتعاظمت في المدارس والطرقات قبل الملاعب. كان لافتاً أيضاً خروج الفلسطينيين من التعتيم الإعلامي الرياضي، حيث تم إطلاق أول إذاعة فلسطينية متخصّصة في مجال الرياضة ضمن قطاع غزة عام 2012 تحت مسمّى «ألوان الرياضية»، والتي كُسرت عبرها هموم الحياة اليومية.
في المحصّلة، كانت الرياضة ولا تزال مساحة أمل للفلسطينيين وسبيلاً لاستمرار المقاومة، وستكون عملية «طوفان الأقصى» المستمرّة حالياً محطة أساسية على طريق التحرير وطرد الاحتلال، وستمهّد الطريق مستقبلاً لممارسة الرياضة بِحُريّة في فلسطين، كل فلسطين.