لم تكن هناك لحظات تضامن تجاه ضحايا فلسطين قبيل انطلاق مباريات الجولة الماضية لكرة القدم الأوروبية. لا دقيقة صمتٍ في الملاعب، ولا منشورات اتحادية رسمية عبر وسائل التواصل الإجتماعي.هو تحيز «صارخ» في تعاطف الرياضات الأوروبية تجاه القضايا الانسانية في العالم. يشهد على ذلك اختلاف الإجراءات المتبعة في ملاعب أوروبا وخارجها إزاء الحرب الروسية –الأوكرانية، وما يحصل حالياً في فلسطين المحتلة.
كانت عقوبات الغرب ظالمية جداً بحق روسيا في ميادين الرياضة، حيث «خرقت» الاتحادات قوانينها الداعية لفصل السياسة عن الرياضة، وأقصت الرياضيين الروس تباعاً من أغلب الفعاليات. تفاقم الأمر عند ضغط بريطانيا على المالك السابق لنادي تشيلسي الانكليزي، الروسي رومان أبراموفيتش، للتنحي عن منصبه، كما «إجبار» اتحادات رياضية مختلفة لأنديتها على فض عقود الرعاية مع أي شركة روسية.
توازياً مع ذلك، دُعمت الحليفة السياسية للغرب أوكرانيا، قبل المباريات وبعدها، على المدرجات ومنصات التواصل، وفي كل مكان وفرصة. الأمر كان أشبه بحربٍ إعلامية أكثر منه تعاطفاً، قادها الغربيون لكسب معركة الرأي العام، وكان بطلها أبرز لاعبي المنتخب الأوكراني، على رأسهم لاعب آرسنال أوليكساندر زينشينكو، الذي ظهر عبر عدسات الكاميرا وهو يتباكى أكثر مما أُطلقت قذائف خلال الحرب ربما!
زينشينكو نفسه يمثّل «بشاعة» ازدواجية المعايير الرياضية. لأشهرٍ متواصلة، لعب ظهير آرسنال على وتر العاطفة و«تسوّل» دعم الرأي العام تجاه أوكرانيا. لكن عندما انتفضت فلسطين لأخذ حقها بعد سنواتٍ من الظلم، دعم زينشينكو عبر حسابه في منصة «إنستغرام» الكيان الصهيوني الذي قصف الفلسطينيين لأيامٍ متواصلة، وهو ما جعل الجماهير الرياضية تنعته بالمنافق.
المعايير المزدوجة فيما يخص القضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد


المعايير المزدوجة فيما يخص القضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، إذ بدأت معالمها منذ النكبة، مروراً بمعركة جنين ومجازر غزة ومأساة حي الشيخ جراح، وصولاً إلى طوفان الأقصى. الاتحادات الرياضية الكبرى، وتحديداً الأوروبية - الأمريكية، تشيح أنظارها باستمرار بعيداً عن فلسطين المقاومة لعدوٍ محتل، بل انها وفي كثيرٍ من الأحيان تفرض غطرستها. بمعزل عن عدم نشر مسؤولي الدوريات أي بيان رسمي يندد بجرائم الإسرائيليين، أجبرت إدارة الدوري الإنكليزي الممتاز مراسل قنوات «beIN Sports»، الفلسطيني إبراهيم خضرة، خلع الكوفية الفلسطينية التي كان يرتديها في مباراة آرسنال ومانشستر سيتي «تجنباً لأي رسائل سياسية»، كما صرّح المراسل عبر منصة «إكس». وكأن لسان حال الغرب يقول: «لا بأس برسائل سياسية عبر الرياضة ما دامت تصب في مصلحة حليفٍ يحمل لوننا ويؤيد توجهاتنا». وفي قمعٍ آخر، تبرّأت إدارة نادي سلتيك الاسكتلندي من دعمها للقضية الفلسطينية، وعرّضت جماهيرها التي دعمت فلسطين عن المدرجات في الأسبوع الماضي إلى عقوبات.
ويوم أمس قرر الاتحاد الانكليزي لكرة القدم انه يقف على الحياد تجاه ما يحصل في فلسطين المحتلة من مجازر، على ان يكون هناك دقيقة صمت حداداً على ارواح المدنيين بحسب ما جاء في البيان. وسيكون منتظراً رؤية ردة فعل الدوريات الأوروبية الاخرى عند عودة الاستحقاقات في الأسبوع المقبل، بعد انقضاء فترة التوقف الدولي.
تقديم الدعم لفلسطين لن يعني بالضرورة دعم الفلسطينيين مادياً، بل تأكيد على الإنسانية. إن أراد طرف ما، أي طرف، اعتماد قوانين مهنية تقتضي بعدم التطرق للسياسة، يجب أن يسري ذلك على الجميع بلا استثناءات، لأنه من الظلم إظهار التعاطف مع فئة، والتغاضي عن مجازر ترتكب بحق شعب أعزل أمام أعين العالم الذي يبدو انه بات ينظر بعين واحدة.