كل موسم كرويّ تقريباً يبرز عدد من اللاعبين الشباب، الذين تعوّل عليهم آمال كبيرة بأن يكونوا خلفاء للأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو وكثر غيرهما... إلا أن هذه التوقعات تصطدم بالكثير من التحديات التي تحول دون وصول هؤلاء الشباب إلى القمة. الإسباني أنسو فاتي، هو آخر ضحايا هذا «النّفخ» الإعلامي والتوقعات غير المنطقية، فما إن داس لاعب برشلونة المعار لبرايتون الإنكليزي عشب الملعب للمرة الأولى، في مباراةٍ أمام ريال بيتيس في الدّوري الإسباني عام 2019، حتى علا التّصفيق و التّشجيع. دخل اللّاعب الذي لم يتجاوز عمره حينها 17 عاماً، في الدقيقة 78 وحظي بِحُضن من الأسطورة ليونيل ميسي في آخر المباراة. ومع مرور الوقت، أصبح فاتي حلّاً للكثير من مشكلات برشلونة الهجوميّة، فكان نزوله من على دكّة البدلاء بمثابة قيمة مضافة للـ«بلاوغرانا». حتى أنه بعد فترة عُدّ خياراً أوّل للمدرّب رونالد كومان حينها، يشارك في المباريات ويلعب دقائق أكثر، لا بل ويحسم الانتصار في الكثير من المناسبات. وبقي جمهور البرسا يستمتع بالسّحر الذي يقدّمه أنسو، إلى أن تعرّض النّجم لإصابة في غضروف ركبته اليسرى، حيث غاب عن الملاعب لفترة طويلة وخضع للجراحة. وبعد عودته، لم يكُن فاتي هو ذاته الّذي اعتادت عليه الجماهير، ليظهر أنّ الإصابة غيّرت مجرى مسيرته، وتعرّض بعدها لإصابات متكرّرة أفقدته مستواه، ليضطر النادي الكاتالوني لإعارته في سوق الانتقالات الأخير لبرايتون وهو في عمر الـ20. وعلى ذكر لاعبي برشلونة، وخرّيجي أكاديمية «لاماسيا» بشكل خاص، لا يمكن عدم ذكر بويان كركيتش. اللّاعب الإسباني الموهوب لعب لبرشلونة بين عامَي 2007 و2011، وكان يشبه ليونيل ميسي بأدق التفاصيل بأدائه، حتّى أنّ البعض شبّه وجهه ومظهره الخارجي بـ«البرغوث». سطع نجم بويان، وحقق حلمه الأول في كرة القدم بعدما لعب مع الفريق الأول لنادي برشلونة وعمره 17 عاماً، وسجل معه 41 هدفاً، واستطاع التتويج بعدد من البطولات، عقب قيام المدرب الهولندي فرانك ريكارد بمنحه هذه الفرصة. لكن بويان كركيتش وجد نفسه ظلاً للأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي كان النجم الأول في برشلونة، ليقرر بعدها الرحيل عن فريق أحلامه، في خطوة وصفتها وسائل الإعلام الإسبانية حينها بـ«المتسرعة» في عام 2011. ليذهب الإسباني في إعارات مختلفة، فمثّل أندية روما وميلان الإيطاليّان، وأياكس الهولندي وستوك سيتي الإنكليزي، ولكنّه لم يعُد يوماً لمستواه المعهود في بداياته.
وعلى غرار بويان، نمرّ على ذكر «بيليه الجديد» أو روبينيو. إذ تدرّج ابن مدينة ساو فنسنت البرازيلية في الفئات السنية لفريق سانتوس، تحت إشراف الأسطورة بيليه، الذي كان منبهراً به وتنبأ له بمستقبل باهر: «هذا الفتى سيصبح لاعباً كبيراً».
وبعد تميّزه في الدوري البرازيلي، انضم صاحب الـ21 عاماً حينها إلى ريال مدريد في صيف 2005، وحصل على الرقم 10، خلفاً للويس فيغو. بدا مستوى الشاب البرازيلي متذبذباً مع ريال مدريد، وكانت علاقته متوترة مع المدرب الإيطالي فابيو كابيلو، الذي قال إن روبينيو «لا يتناسب مع أسلوبه الكروي في اللعب». وفي الموسم التالي، تواصلت المشكلات مع المدرب شوستر الذي ادعى أن اللاعب «غير منضبط في التدريبات والمباريات»، قبل أن يُتهم بحضور تدريبات الريال وهو مخمور! بعدها قرّر الانتقال لمانشستر سيتي، إذ توهّج لعامٍ واحد فقط وبدأت مسيرة روبينيو تتراجع، إذ انتقل إلى سانتوس على سبيل الإعارة، ومنه إلى ميلان، قبل أن يعود مجدداً إلى سانتوس، ومنه إلى غوانزو الصيني وأتلتيكو مينيرو ثم سيفاس سبور التركي، وأخيراً إسطنبول باشاك شهير في عام 2020. حاول روبينيو العودة إلى سانتوس من جديد، لكن صدور حكم قضائي بسجنه في قضية اغتصاب، أجبر النادي على فسخ التعاقد، ليعلق اللاعب حذاءه عن عمر 36 عاماً وتنتهي بذلك قصّة أسطورة قبل أن تصل إلى هدفها.
هؤلاء اللّاعبين وغيرهم، كان بالإمكان لمسيراتهم أن تنتهي بشكل أفضل بِكَثير، لكن عوامل كثيرة كالإصابات وسوء الحظ، كما سوء السلوك حالت دون ذلك. و تجدر الإشارة إلى أنَّ الجمهور مُؤثّر أيضاً، فيمكن القول أنّ أمل النّاس بظهور لاعبين أساطير كميسي ورونالدو ومارادونا، يدفعهم إلى التمسُّك بأيّ موهبة صاعدة، ومحاولة جعلها شبيهة بالأساطير، وفي الواقع هذا لا يصح، لأنّ كل لاعب مستقل ومتميّز بشكلٍ خاص به، والحقيقة هي أنّ هذه الآمال الكبيرة والزخم الإعلامي، يضع المواهب تحت ضغطٍ كبير.
لا شك أنّ نهاية هذا الضّغط، هي تأثّر اللاعب وإصابته بالتوتُّر في كل مباراة، إذ يجد نفسه كالمقصّر ويشعر باليأس، عندما يشاهد أنّه لا يستطيع تلبية طموحات الجمهور، وبذلك تنتهي مسيرته مبكراً.
يجدر القول إنّ مثل هذه المواهب، يجب احتضانها وحمايتها من الإعلام، كما والصّبر عليها، حتّى تتميّز وتشُقّ طريقها المتفرّد عن غيرها.