في وضعٍ طبيعي، تضع الاتحادات الرياضية قائمة بأسماء اللاعبين المستدعين للمشاركة في بطولةٍ قارّية ما، قبل أسابيع على انطلاق المسابقة. الأمر مختلف في فلسطين، حيث تشهد قوائم منتخبات «الفدائي» تغييرات جذرية بين لحظةٍ وأخرى قبل المسابقات، وفي بعض الأحيان، خلالها.الوضع الصعب يساهم في تغيير الأرقام على ظهور اللاعبين الفلسطينيين بين مباراةٍ وأخرى. يكمن الفارق بأن «التوليفة» المتجددة لا تخضع لإرادة المدربين، المعرّضين بدورهم، وعلى اختلاف رياضات العالم، لفقدان مراكزهم بشكل قسري خلال المباريات المقبلة، وإلى الأبد. في الملاعب الفلسطينية، من المرجح أن يرتدي زميل اليوم قميصاً من نوعٍ آخر غداً. أبيض، بلا رقم. في الملاعب الفلسطينية، لا شيء طبيعي.
هو عدوان من نوعٍ آخر تواجهه الرياضة عموماً ضمن قطاع غزة والضفة الغربية. عدوان يستهدف الروح المعنوية للفلسطينيين قبل أجسادهم. ومنذ «ولادة» الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بشكله الجديد عام 1998، تكبّد «القطاع» خسائر مأسوية طاولت المنشآت والكوادر على حدٍّ سواء.
التحدّيات التي هددت «اللعبة» في السابق، تنسحب إلى استعدادات منتخب فلسطين ضمن منافسات كأس آسيا لكرة القدم 2024، وتصفيات كأس العالم 2026. وفي ظل عدم مؤشرات عن اقتراب إنهاء العدوان الحاصل على قطاع غزة والاعتداءات على الضفة، تبدو الأزمة الحالية بمثابة التحدي الأصعب.
تشكّلت المعضلة الأولى في مكان إقامة المباريات البيتية، نظراً إلى القصف المستمر الذي لم يرحم داراً أو ملعباً. على خلفية ذلك، ارتأى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بالجزائر وجهة مثالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فطلب من اتحادها الكروي استضافة مباريات منتخب «الفدائي». قبلت الجزائر الطلب برحابة صدر، وأعلنت استعدادها لاستضافة مباريات المنتخب الفلسطيني ضمن تصفيات «المونديال» والمباريات الودية، مع التكفّل بجميع التكاليف المتعلقة بهذه الأحداث الرياضية، لكنها فوجئت لاحقاً بِرفض الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ومن خلفه «فيفا»، طلب بلد «المليون ونصف مليون شهيد»، وذلك «لانتماء الجزائر إلى الاتحاد الأفريقي للعبة وليس إلى آسيا، الأمر الذي يعارض القوانين».
في النهاية، تكفّلت الكويت باستضافة مباريات فلسطين على أرضها مع تحملها كل التكاليف، من منطلق «الدعم والتضامن مع المنتخب الفلسطيني الذي تمنعه الظروف الراهنة من اللعب على أراضيه ووسط جماهيره»، كما أوضح بيان الاتحاد الكويتي لكرة القدم.
بعيداً عن فقدان عاملَي الأرض والجمهور، يعاني المنتخب الفلسطيني من مشكلة ثانية تتمثل بعدم ضمان مشاركة اللاعبين أنفسهم، حيث شمل القصف الوحشي مختلف فئات المجتمع، وبينهم الرياضيون. آخر قائمة لشهداء كرة القدم في قطاع غزة والضفة الغربية ضمّت لاعب فريق أهلي بيت حانون، رشيد دبور، الذي استشهد إثر تعرض منزله لقصف من قوات الاحتلال. الشهيد دبور هو واحد من بين عشرات شهداء الرياضة الفلسطينية الذين سقطوا برصاص العدو الصهيوني وصواريخه الغادرة خلال اعتداءات متفرقة، علاوة على إصابات أنهت طموح وأحلام العديد من الرياضيين والرياضيات.
استشهد عدد من الرياضيين خلال العدوان الحالي على غزة والعشرات خلال الاعتداءات السابقة


يبرز من تلك الاعتداءات أيضاً، استشهاد لاعب نادي ثقافي طولكرم، أحمد عاطف دراغمة، عام 2022 برصاص المحتل، بالقرب من مدينة نابلس أثناء توجّهه لأداء صلاة الفجر. وتمتد القائمة لتشمل لاعب نادي الفوار، الشهيد محمد أبو هشهش، وكذلك الشهداء: آدم الفرعاوي لاعب الشمس، أحمد عوض لاعب فريق أهلي بيت حانون وزميله معاذ الزعانين، محمد سليمان لاعب نادي نماء، أسامة الزبدة لاعب نادي المشتل، سعيد عودة لاعب نادي بلاطة وعطا النشاش لاعب نادي خدمات البريج، بالإضافة إلى أصغر لاعب فلسطيني شهيد: أحمد كلاب (13 عاماً)... وفي باقي الرياضات، استشهد لاعب كرة السلة لفريق البريج، باسم النباهين، وعبد الحفيظ المبحوح لاعب المنتخب الوطني للجودو... بالإضافة إلى فاعلين رياضيين مختلفين مثل الإعلامي والمدرب، الشهيد عاهد زقوت، كما الشهيد وائل عيسى نائب رئيس نادي شباب البريج، ومحمد الدلو، رئيس اتحاد كرة الطاولة، ومحمد مطر الذي عمل في اللجنة الإعلامية لاتحاد الجوجيتسو...
هي مجازر متكررة بحق مواطنين عُزّل، أرادوا رسم الابتسامة على وجوه أهلهم وإخوانهم من خلال الرياضة، لكنهم ارتقوا شهداء. اغتيال الرياضيين ليس مجرد إنهاء لأحلامٍ فردية، بل محاولة اعتداء جبانة على أحلام الفلسطينيين ككل، تعكس خوف ما يسمى «إسرائيل».