تكثر العناوين العريضة الداعية لفصل الرياضة عن السياسة ضمن دفاتر الاتحادات الرياضية. ومع ذلك، تتأثر الجهات الحاكمة بالمناخ السياسي وتنحاز غالباً لمصالحها.ظهر ذلك جلياً في أكثر من مناسبة، وبوتيرةٍ أسرع خلال العامين المنصرمين. فمع اندلاع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية مثلاً، «اجتاحت» العبارات المناصرة لأوكرانيا ـ حليفة الغرب ـ كافة الملاعب الأوروبية بالتوازي مع فرض عقوبات رياضية قاسية وغير محقة ضد روسيا من قبل الهيئات الرياضية الدولية والقارية. بهذا الموقف المنحاز سياسياً، نكث الاتحاد الدولي لكرة القدم قوانينه ما فتح النيران عليه، خاصةً وأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لم تناصر أطرافاً أخرى مثل فلسطين، بل هي حاولت تغييب تعاطف الجماهير معها، والتنديد لالمجازر الحاصلة حالياً من قبل الاحتلال «الإسرائيلي»، مع إضفاء طابع الحياد على كرة القدم بالأقلام والعدسات الرمادية دون معاقبة أو إدانة الكيان الغاصب، ولا حتى منتخبه وفرقه واتحاداته الرياضي كما حصل مع روسيا. لم يحرك الاتحاد الدولي لكرة القدم ساكناً رغم كل أنواع الانتهاكات الرياضية - الإنسانية التي تتعرض لها الضفة الغربية وقطاع غزة، من قتل رياضيين وقصف ملاعب والتضييق على الأندية كما قطع المساعدات عنها، مع إشاحة النظر عن مواقف الاتحادات الأوروبية بمعاقبة كل من أبدى التعاطف والدعم مع فلسطين بالحظر والغرامات...
تتأثر الجهات الحاكمة بالمناخ السياسي وتنحاز غالباً لمصالحها المشتركة


المواقف المخزية من الاتحاد الدولي لكرة القدم تجاه القضية الفلسطينية ليست بالأمر الجديد. ففي العقد الماضي، رعى الاتحاد الدولي لكرة القدم مباريات في مستوطنات صهيونية تقع ضمن أراضٍ انتزعت بشكل غير قانوني من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو امر غير قانوني واعترضت عليه منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية. تقدم الاتحاد الفلسطيني حينها بطلب لتعليق عضوية «إسرائيل» في فيفا على خلفية انتهاكاتها المتراكمة، والتي وصل الحد بها عام 2019 إلى منع إقامة نهائي بطولة كأس فلسطين بين نادي خدمات رفح ومخيم بلاطة، لكن زيادة «الضغط العربي والأوروبي على التراجع» جعل الاتحاد الفلسطيني لكرة يسحب طلبه، كما صرّح رئيس الاتحاد جبريل الرجوب حينها. مقابل ذلك، أنشأت فيفا لجنة لحل المشاكل الرياضية في فلسطين ووضع حد للانتهاكات الاسرائيلية، دون أن يكون لها أثراً ملموساً.
«ترقيعة» رمزية أدانتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» حينها، بقولها «إن المسألة ليست مجرد خلاف بين الاتحادات الوطنية على تفسير قوانين الفيفا. فمن خلال سماح الفيفا للاتحاد الإسرائيلي بإجراء مباريات داخل المستوطنات، تنخرط بذلك في نشاط تجاري يدعم المستوطنات الإسرائيلية، خلافاً لالتزامات حقوق الإنسان التي أكدتها».
هو فصلٌ جديد من مسلسل التعاطف المُسيّس، يطرح تساؤلات حول جدوى القوانين ومصداقيتها. الرياضة الفلسطينية تنازع للاستمرار، وهي تحتاج الى الدعم من الاتحادات الدوولية، التي ترفض القيام بدورها وتقف الى جانب «الجلّاد».