الشارقة | بعيداً عن الديار والملاعب المهملة من قبل الجهات المسؤولة، يستضيف منتخب لبنان نظيره الفلسطيني اليوم الساعة 16:00 بتوقيت بيروت، في الشارقة الإماراتية.هنا في مكان الاستضافة يبدو كل شيء جاهزاً لإقامة مباراةٍ بأعلى المعايير التي يطلبها الاتحادان الدولي والآسيوي، لكن هذا الأمر ليس كافياً، أقلّه بالنسبة الى اللاعبين الذين كانوا يتمنّون أن يلعبوا في أحد الملاعب التي اعتادوا عليها منذ زمنٍ بعيد، وأن يستمدوا قوتهم من جمهورهم الذي لم يغب عن المواعيد المهمة سابقاً.
هم كانوا يأملون أن يعوّضوا شيئاً من النقص من خلال حضور أبناء الجالية اللبنانية لمؤازرتهم في مدرجات ملعب خالد بن محمد، لكن حتى هذا الأمر لن يحصل لأن الاتحاد الآسيوي كان قد أقرّ عقوبةً على لبنان بخوض أول مباراةٍ بيتية له خلف أبواب مغلقة، وذلك على خلفية الأحداث الجماهيرية التي عرفها ملعب صيدا البلدي في آذار 2022 خلال المواجهة أمام سوريا ضمن الدور النهائي لتصفيات مونديال قطر.
كل هذا يترك خيبةً بالتأكيد، لكن لا يغيّب التفاؤل أبداً قبل المباراة أمام "الفدائي"، وذلك استناداً الى معطياتٍ عدة يشعر بها أيّ شخصٍ موجود في معسكر منتخبنا الذي كان قد سافر الى الإمارات مساء السبت الماضي.

هدوء وانسجام
أجواءٌ مثالية وهادئة على مختلف المستويات، وغياب تام للإصابات التي غيّبت قبل السفر 4 لاعبين أساسيين هم: حارس المرمى مهدي خليل، الظهير الأيمن حسين زين، لاعب الوسط – المدافع محمد الدهيني، ولاعب الوسط – المهاجم باسل جرادي. ويضاف الى هذه النقاط واحدة أهمّ بكثير وهي الانسجام والكيميائية الحاضرة بين المدير الفني الكرواتي نيكولا يورسيفيتش ولاعبيه، إذ حتى الذين غابوا عن المحطة الماضية التي تسلّم فيها منصبه، لا يظهرون أيّ امتعاض بل كل تعاون مع المدرب الجديد، وذلك بسبب اقتناعهم بنظام اللعب والملاحظات الموجّهة إليهم والكفيلة بتطويرهم فردياً وتالياً جماعياً.
هذه المسألة عكسها التصرّف الذكي ليورسيفيتش الذي بدا كأنه يعرف الطبيعة العاطفية للاعب اللبناني، إذ حتى في جلسات الفيديو التي لحظت أداء المنتخب في المباراتين الوديتين الماضيتين أمام مونتينغرو والإمارات على التوالي، لم يذهب الكرواتي الى الإشارة بالاتهام الى أي لاعب عند شرح أي خطأ فني، فهو صحيح لم يفوّت أي هفوة أو أي نقطة سلبية، لكنه ركّز أكثر على الإيجابيات، مهنئاً رجاله على أدائهم الجيّد من خلال استعراضه كل الإيجابيات، ومشجعاً إياهم على المبادرة من دون خوف لأن لديه ثقة بإمكانات كل واحد منهم.
من هنا، ليس مستغرباً اقتناع "رجال الأرز" بالانغماس بنظام اللعب المطلوب من دون أي نقاش، وذلك في موازاة طلب يورسيفيتش التركيز بشكلٍ كبير خلال الأوقات الحساسة من المباريات لتفادي أي هفوة، على غرار تلك التي تسبّبت بالخسارة غير المستحقة أمام الإمارات.

الفرصة متاحة
بطبيعة الحال، أظهرت القراءة الفنية للمباراتين الأخيرتين أن منتخبنا يمكنه تحقيق المطلوب أمام فلسطين ومن ثم أمام بنغلادش يوم الثلاثاء المقبل، وذلك في حال اللعب بنفس الطريقة والعقلية اللتين حضرتا ضد مونتينغرو والإمارات، حيث بدا المنتخب متماسكاً كمجموعة من خلال عملية الضغط أو العودة السريعة الى الدفاع، وطبعاً في عملية البناء التي أصبحت أفضل بكثير بعد اقتناع الكل بأهمية اللعب الجماعي على حساب الفردية، إضافةً الى تحرّرهم في الحالة الهجومية والتصرّف من دون إرباك.
ومما لا شك فيه أن يورسيفيتش سيبني على تجربته الأولى لاختيار تشكيلته الأساسية للمباراة أمام فلسطين التي حضر منتخبها أيضاً في جلسات القراءة الفنية لمتطلبات المواجهة، إذ يدرك اللبنانيون أنهم سيواجهون منتخباً مندفعاً يلعب بقوةٍ بدنية ولا يهاب الاحتكاكات. أضف أن ما يعيشه شعبه يعطيه دافعاً أكبر من أي وقتٍ مضى لتقديم كل ما لديه من أجل الخروج بنتيجةٍ إيجابية.
البداية المثالية هي القاسم المشترك أصلاً بين المنتخبين، إذ إن لبنان يريدها قبل سفره الى بنغلادش، ليؤكّد أن ما قدّمه أخيراً لم يكن من باب الصدفة، وأن حملة التغيير التي عرفها المنتخب على مختلف المستويات وخلقت استقراراً داخله، بدأت تفرز النتائج الإيجابية بعد توفير كل ما يلزم للاعبين من أجل بلوغ الأهداف المنشودة، ولعلّ أهمّها إعادة إطلاق حلم الوصول الى نهائيات كأس العالم، وخصوصاً بعد رفع حصة القارة الصفراء في النسخة المقبلة الى ثمانية مقاعد ونصف مقعد.