الدوحة | بين معسكر المنتخب اللبناني وشوارع الدوحة تطفو كلمة مشتركة: التفاؤل.قد يستغرب البعض حضور هذه الكلمة استناداً إلى المرحلة المضطربة التي مرّ بها منتخب لبنان لمدةٍ ليست بقصيرة. لكن فجأةً عادت الثقة باللاعبين من قبل الشارع الكروي، واستعاد هؤلاء ثقتهم بأنفسهم وإيمانهم بأنه بإمكانهم فعل شيءٍ غير مسبوق.
بالفعل الثقة بتحقيق النتائج الإيجابية في المجموعة التي تضم منتخبنا إلى قطر المضيفة وحاملة اللقب، والصين وطاجيكستان، تأتي في كلام اللاعبين المؤثّرين في التشكيلة اللبنانية، إذ لا يُستبعد أيٌّ منهم أن يكون منتخبهم المفاجأة غير المتوقّعة. هم مصرّون بأن إمكاناتهم الفنية إذا ما اجتمعت ستجعل من منتخبهم فريقاً صعباً تماماً كما كان الحال عليه في المواجهتين الوديتين أمام الأردن والسعودية.

(طلال سلمان)

«لا شيء يجب أن يمنعنا من التأهل». جملةٌ ردّدها أكثر من لاعب بإصرار، وذكرها المدير الفني المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش العائد بنفس الشغف الذي عمل به عندما حضر للمرة الأولى لتدريب «رجال الأرز» في عام 2015. هو يعمل وكأن نظرته إلى المنتخب لم تتغيّر، وكأن الأسماء التي درّبها وحقق معها نتائج لافتة ليتأهل إلى كأس آسيا 2019، لا تزال تملك نفس الجودة، ولو أن التشكيلة لم تعد على الصورة التي أشرف عليها قبل رحيله عن لبنان بفعل دخول عناصر جديدة إليها.

الجمهور مؤمن أيضاً
كل هذا يلتقي مع كلام أي لبناني تصادفه في العاصمة القطرية الدوحة، فتختلط الأمنيات بالثقة المطلقة برجال المنتخب والتشجيع اللامتناهي لهم، والشعور بأن هذه المرّة ستكون مختلفة. هنا يثبت الجمهور اللبناني مجدداً بأنه مهما علت الانتقادات التي تصوّب على المنتخب لأسبابٍ لا ترتبط حصراً بالجوانب الفنية، تُسقط الوطنية كل سلبية وتفرز حبّاً لـ 26 لاعباً مستعدين لتقديم كل شيءٍ من أجل قميص الوطن.

(طلال سلمان)


(طلال سلمان)

هم أنفسهم يعرفون مدى أهمية مشاركتهم في هذه النسخة من كأس آسيا، إذ كما قال النجم المخضرم محمد حيدر أخيراً بأن نتيجة لبنان في هذه البطولة ستحدّد مستقبل اللعبة في البلاد، فإما وضع حجر الأساس لنهضةٍ تؤسس لمرحلةٍ مستقبلية مشرقة مع جيلٍ جديد، وإما سيكون المسار شائكاً لتكوين منتخبٍ يفرض احترامه على جميع منافسيه.
طبعاً هذا الكلام واقعي وحاسم لأن عدداً من اللاعبين قد يسجّل مشاركته الأخيرة مع المنتخب، وإذا ما ترك الساحة للشبان، فيفترض أن يزرع بذوراً لتظهير صورة فريقٍ جيّد، لا يمكن للخصوم أن يعتبروه جسر عبور إن كان في تصفيات أو في بطولة.
منتخبنا يمكنه أن يفعلها لا بسبب وجود مدربٍ خبير ومحنّك فقط، ولا بسبب جودة لاعبيه، بل لأن الأجواء المحيطة به تبدو مثالية إلى حدٍّ كبير، وذلك بعدما تمّ تأمين كل سبل الراحة والتحضير للاعبين، وبسبب الجديّة التي قابل بها هؤلاء ما قُدّم إليهم، فوصلوا إلى الدوحة بموقف المسؤول الذي لا يريد أن يفرّط بالثقة التي وُضعت فيه.

حظوظ واقعية
لكن كل هذا يبقى في طيّ الوصف والكلام حتى إثباته في المباراة الأولى أمام المنتخب القطري على ملعب لوسيل الشهير الذي استضاف المباراة النهائية لكأس العالم 2022.
هناك لن يكون لأي منتخبٍ أفضلية ساحقة، فكما هو حال اللبنانيين، سيلعب «العنابي» للمرة الأولى على أرض هذه التحفة المعمارية. كما أن ضغوط المباراة الافتتاحية التي يمكن أن تحيط بالضيف، ستزور مضيفه، وذلك انطلاقاً من مسائل عدة، بينها أنه المدافع عن اللقب، وأيضاً المنتخب المطالب بمحو الصورة الضعيفة التي ظهر عليها في المونديال الذي استضافة على أرضه. أضف أنه كما لبنان الذي أعاد رادولوفيتش قبل مدةٍ قصيرة من البطولة، فإن القطريين كانوا قد أقالوا البرتغالي كارلوس كيروش وعيّنوا الإسباني ماركيز لوبيز مكانه، وذلك في فترةٍ يمرّ فيها أصحاب الأرض بحالة غير اعتيادية، فخسروا مثلاً أمام الأردن في مباراةٍ تحضيرية قبل أيام.
يفتتح لبنان اليوم كأس آسيا بمواجهة قطر المضيفة وحاملة اللقب الساعة 18:00 بتوقيت بيروت


من هنا، قد تكون حظوظ منتخبنا حقيقية وليست مشاعر تفاؤلية، وخصوصاً أن طبيعة اللاعب اللبناني وفقاً لما يتفق العديد من نجوم التشكيلة الحالية، تفرز حافزاً قوياً عندما يخوض مباراةً تحمل تحديّات جمّة وأمام جمهورٍ غفير يُنتظر أن يملأ مدرجات ملعب لوسيل بعدما نفذت تذاكر المباراة، وأصبحت عملةً نادرة يسأل عنها أي شخصٍ يُصادف فرداً من البعثة اللبنانية في الفندق أو حول ملاعب التدريب وشوارع الدوحة.
باختصار 26 لاعباً يحملون آمال أمةٍ اشتاقت إلى الإنجازات الكروية، وإلى جائزة ترضية بعد مرحلةٍ كادت تدخل اليأس إلى شعب الكرة الذي يعرف في قرارة نفسه أن المنتخب هو واجهته وهو المرجع الأول عند أي تصنيف أو تقييم للعبة في لبنان بعدما أصيبت بنكساتٍ عدة وبأسهمٍ مباشرة ضربت بنيتها التحتية ونموّها وحتى حماستها التي تعود اليوم مع عودة «رجال الأرز» لحمل العلم اللبناني بين أفضل 24 منتخباً في القارة الأكبر وفي ثاني أقدم مسابقة قارية في التاريخ.