تكثُر التواريخ في حكاية «البطل» سيباستيان هالر. بعضُها يحمل ذكريات جميلة، وأخرى شديدة الأسى. في كلتا الحالتين، حاربَ هالر الظروف، وشقَّ طريقه من احتمال الاعتزال القسري إلى منصة أهم الكؤوس الدولية في القارة السمراء.شهدت مسيرة هالر محطات كروية مختلفة في بداياته، وتمثّلَ المنعطف الأهم بالنسبة له عام 2019، عندما انتقل من آينتراخت فرانكفورت الألماني إلى وست هام يونايتد مقابل رسم قياسي للنادي الإنكليزي قدره 45 مليون جنيه إسترليني. ورغم التطلعات الكبيرة المنتظرة، عانى هالر في «بريمييرليغ»، وسجل 10 أهداف فقط خلال عام ونصف العام.
مع ذلك، أسفرت تلك الفترة في مدينة الضباب عن قرار مصيري بالنسبة إلى هالر، حيث التزمَ اللاعب الذي وُلد في فرنسا لأب فرنسي وأم إيفوارية بمستقبله الدولي لصالح ساحل العاج. وفي يناير/كانون الثاني 2021، انتقل سيباستيان إلى أياكس الهولندي مقابل نصف الرسوم التي نقلته إلى لندن تقريباً.

أعاد هالر إشعال مسيرته المهنية في هولندا، حيث فاز رفقة أياكس بلقب الدوري موسم 2021-2022 ومرة أخرى بعد عام. كما أنه عادل عدة أرقام قياسية في دوري أبطال أوروبا، برز منها التسجيل في جميع مباريات ناديه الست في مرحلة المجموعات، كثاني لاعب فقط في تاريخ المسابقة يتمكّن من ذلك بعد البرتغالي كريستيانو رونالدو.
مستوى مميز دفعَ بوروسيا دورتموند الألماني للتعاقد معه بهدف تعويض انتقال المهاجم النرويجي إيرلينغ هالاند إلى مانشستر سيتي. لكن بداية هالر في «بوندسليغا» لم تكن بين جماهير ملعب سيغنال إيدونا بارك، بل انطلقت وسط جهازٍ طبي. ففي 18 يوليو/تموز 2022، كان المهاجم الإيفواري يستعد للجولة التحضيرية في سويسرا مع فريقه الجديد، بعد أقل من أسبوعين على وصوله من أياكس. وفي صباح ذلك التاريخ، شعر هالر بالإعياء، ليتم تشخيص إصابته بورم في الخصية بعد إجراء الفحوصات، والذي تم تأكيده لاحقاً على أنه سرطان.
انتصرَ هالر في حربه مع المرض وانتقل إلى معركة أخرى بعد 18 شهراً من تشخيص إصابته


خاضَ هالر طريقاً طويلاً للعلاج واستعاد عافيته شيئاً فشيئاً. ظهر لأول مرة بشكل رسمي مع دورتموند إثر شفائه خلال الفوز 4-3 على أوغسبورغ في 22 يناير/كانون الثاني من العام الماضي. وبعد مرور أسبوعين على ذلك الانتصار، جاءت اللحظة التي كان ينتظرها. في الدقيقة 51 من الفوز 5-1 على أرضه ضد فرايبورغ، سجّل هالر هدفه الأول رفقة «أسود الفيستيفال» أمام أكثر من 80 ألف مشجّع في سيغنال إيدونا بارك، وأشار إلى عبارة «تباً للسرطان» التي كانت موجودة على حذائه كجزء من احتفاله.
سجّل هالر ذلك الهدف في 4 فبراير/شباط، ما جعله يحظى بتعاطف مضاعف نظراً إلى أنه اليوم العالمي للسرطان. وبعد انتهاء المباراة، صرّح المهاجم الإيفواري: «التسجيل اليوم كان بمثابة رسالة عظيمة لكل من يقاتل الآن أو سيقاتل لاحقاً».
هكذا، انتصرَ هالر في حربه مع المرض وانتقل إلى معركة أخرى بعد 18 شهراً من تشخيص إصابته، حيث قاد هجوم ساحل العاج في بطولة كأس أمم أفريقيا الأخيرة.
غاب المهاجم عن دور المجموعات بداعي الإصابة، قبل أن يعود في الأدوار الإقصائية ويسجل هدفين مهمين: الأول كان هدف الفوز والوحيد أمام كونغو الديمقراطية في نصف النهائي، والثاني تمثّل بهدف التتويج في النهائي ضد نيجيريا (1-2).
قصة هالر ليست عابرة. هي مثال يُقتدى به عن المثابرة والكفاح، كما أنها إضاءة على كيفية تغيير الأحداث بين ليلةٍ وضحاها. تسجيله هدف التتويج، على أرضه التي اختار تمثيلها وبين جماهيره المكتسبة، ما هو إلا مكافأة لمحاربٍ حقيقي، أبى أن تهزمه الظروف، ومضى إلى منصات المجد من بابها الواسع.