قبل أسبوع من نهاية العطلة الشتوية لـ«الكنيست»، تتواصل المفاوضات بشأن خطّة «الانقلاب القضائي» بين الائتلاف الحكومي اليميني، والمعسكر المعارض، من دون أن تحقّق إلى الآن تقدّماً ملموساً، إذ على الرغم ممّا أشاعته، أمس، عضو الكنيست عن «المعسكر الوطني»، أوريت فركاش-هكوهين، بشأن «الأجواء الإيجابية»، إلّا أن فركاش-هكوهين عادت وحذّرت، في مقابلة مع موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، من أنه «في حال استئناف الائتلاف الحاكم عملية الدفع بتشريعات الخطّة لدى انتهاء العطلة، فإن المفاوضات ستتوقّف». وتَقاطع هذا التحذير مع ما كشفته أخيراً صحيفة «معاريف»، بشأن الخلاف الكبير بين طرفَي المفاوضات حول التغييرات التي تطالب بها الحكومة على مستوى تعيين القضاة؛ إذ إن وفد «المعسكر الوطني»، برئاسة وزير الأمن السابق، بني غانتس، طالب ببدء التفاوض حول هذه النقطة، فيما تتمسّك الحكومة بمطلب أن يكون لها رأي وقرار في تعيين قسم من القضاة، كما هو منصوص عليه في مشروع القانون الذي قدّمه الائتلاف قبل المصادقة عليه بالقراءتَين الثانية والثالثة، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة بشدّة.وعلى هذه الخلفية، كشف حزب «هناك مستقبل»، الذي يتزعّمه قائد الحركة الاحتجاجية، يائير لبيد، «(أنّنا) سنقدّم، خلال الأيام القريبة، لطواقم المفاوضات، اقتراحاً حول قانون أساس: وثيقة الاستقلال»، مضيفاً «(أنّنا) سنشدّد على التزامنا بالحفاظ على تركيبة لجنة تعيين القضاة بحيث لا يتمكّن السياسيون من تعيينهم». في المقابل، شدّدت مصادر رفيعة من الائتلاف على ضرورة أن تنتهي «المصادقة على تشريعات الإصلاح القضائي مع نهاية دورة الكنيست الصيفية، أي حتى شهر تموز المقبل»، موضحةً أن «الموعد الأخير لإنهاء المفاوضات مرتبط بمصادقة الكنيست على ميزانية الدولة، أي حتى 29 أيار»، علماً أنه في حال عدم المصادقة على قانون الميزانية حتى نهاية الشهر القادم، فإن «الكنيست» سيُحلّ تلقائياً، وبالتالي يُعلَن عن انتخابات مبكرة جديدة. وفي خضمّ ذلك، دعا عشرات الحاخامات الصهاينة أنصارهم إلى المشاركة في «التظاهرة المليونية» التي ستنظَّم يوم الجمعة المقبل بالقرب من مبنى «الكنيست» في القدس، على اعتبار أن «شعب إسرائيل بأغلبيته اختار هذه الحكومة للعمل من أجل توراة إسرائيل وشعبها وأرضها، وليس لتتمكّن القلّة القليلة من فرض أجندتها بعد تظاهرات فوضوية في الشوارع».
بات بعض الباحثين الإسرائيليين يجاهرون بدعوتهم إلى حلول مِن مِثل الفدرالية


عملياً، تعكس هذه التطوّرات عمق الأزمة التي لا تزال تعيشها إسرائيل، في ظلّ انقسام عَمودي حادّ في المجتمع الصهيوني. انقسامٌ بلغ مبلغاً بات معه بعض الباحثين يجاهرون بدعوتهم إلى حلول مِن مِثل الفدرالية، وتقسيم الكيان إلى كيانَين. ومن بين هؤلاء، الباحث ران إدليست الذي شبّه حالة إسرائيل اليوم، في مقالة نُشرت في صحيفة «معاريف»، بأنها «سفينة تتلاطمها الأمواج»، مشيراً إلى أن هذه السفينة يقودها «قبطان مخمور، وضبّاط مهملون، وبحّارة غير مبالين، فيما لا أحد يتعامل بجديّة مع المياه المتسرّبة إليها، والركاب يأكلون ويشربون ويرقصون ويلهون»، مضيفاً أن حكومة بنيامين نتنياهو «قادتها مجانين ومتعصّبون وساخرون، ويهتفون بالوطنية الواهية». وعلى هذا الأساس، رأى إدليست أن «دولة إسرائيل تتفتّت إلى قبائل، ولذلك لا مفرّ من تقسيمها إلى مناطق حُكم ذاتي على أساس هويّات مستقلّة»، مستشهداً بطرح البروفيسور أرونون سوفير، المتخصّص في الجغرافيا والديمغرافيا، ومفاده أن «الواقع القائم يعكس حقيقة تفتّت إسرائيل؛ الأرثوذكس المتطرّفون ذاهبون في اتّجاه تدمير الرؤية الصهيونية، بمساعدة المستوطنين، من طريق الاضطرابات التي تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الإسرائيلي بين أرثوذكس متديّنين، وعرب، وعلمانيين ليبراليين... في حالة يبدو معها وكأنّنا أمام فدراليات قائمة على أسس هوياتية... وقد تكون هذه (الفدرالية) هي الحلّ للخروج من الوضع الراهن». واعتبر إدليست أن «المنطق يفترض الذهاب في اتّجاه التقسيم على أساس طائفي قبَلي، في ظلّ عدم قدرة الدولة على أن تُدار وسط حالة العداء المتبادل الذي قد ينتهي بعنف بين القبائل الإسرائيلية»، داعياً إلى «السماح لكلّ قبيلة بالعيش داخل حُكم ذاتي على أرضها»، مرفقاً دعوته بخارطة وضعها سوفير تتضمّن الوضع المقترَح، والذي يُظهر وجود دولة لفلسطينيّي الـ48 باسم «الجليل العربي»، وأخرى تمتدّ من عكا مروراً بحيفا وانتهاءً بتل أبيب وتدعى «دولة تل أبيب» وتكون للعلمانيين، وثالثة للمستوطنين تقوم في الضفة الغربية وتُدعى «دولة يهودا»، ورابعة صغيرة في النقب وتدعى «دولة البدو».
وفي الاتّجاه نفسه، نشر عدد من الباحثين مجموعة تصوّرات في صحيفة «هآرتس» أخيراً، تضمّنت حلولاً من قبيل التقسيم المناطقي على أسس هوياتية أو اقتصادية - اجتماعية. وفي مقدّمة تلك التصوّرات، يأتي اقتراح رئيس «المنتدى العلماني»، رام فرومان، تحويل إسرائيل إلى فدرالية تتألّف من كانتونات، شريطة أن تسَند إدارة غالبية شؤون حياة السكّان إلى حكومة الكانتون. وفي داخل هذه الفدرالية، تنشأ كانتونات علمانية فيها فصل تامّ بين الدين والدولة، وتُنقل ضرائبها الى الحكم الفدرالي، على ألّا تُستخدم هذه الضرائب في تمويل المستوطنات أو المدارس الدينية، وإنّما لاحتياجات أخرى حيوية، وفي المقابل، يتمتّع جهاز القضاء فيها بـ«الاحترام الذي يستحقّه». وفي حال فشل هذا الطرح، فعلى البلديات أن تتحوّل، والحال هذه، إلى مراكز ثقل، مسوّقاً هنا بلدية تل أبيب كمثال، مقترحاً أن تُعطى البلديات صلاحيات أوسع، من خلال منحها عائدات الضرائب من الحكومة، بما يؤسّس بحسبه لحالة من الحكم الذاتي، بالتوازي مع إقامة نظام تعليم علماني موازٍ للتعليم الديني «الحريدي».
في الشكل، قد لا تكون التصوّرات المتقدمّة واقعيّة، غير أنها في العمق، ربّما تعكس «خطر» وصول إسرائيل إلى نقطة «اللاعودة». وهي نقطة تواصل أخْذ حيّز كبير من مشاغل صنّاع القرار، في وقت تتزاحم فيه أمام هؤلاء التحدّيات الخارجية المتعاظمة، والتي تفرض مواجهتها «وحدة» لا تفتأ تتعرّض لخضّات واهتزازات غير سهلة.