طهران | بعد يومين من استقبال طهران، وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، توجّه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في جولة على أربع عواصم خليجية، بدأها من الدوحة الإثنين، ومنها إلى مسقط في اليوم التالي، فالكويت، واختتمها في أبو ظبي يوم أمس، في ما يؤشّر إلى فصل جديد من التعاون بين إيران ودول الخليج، بعد عقد اتّسم بالمواجهة. وهدفت جولة أمير عبد اللهيان، وفق وزارة الخارجية الإيرانية، إلى «متابعة تنفيذ وثائق التعاون المبرمة مع هذه البلدان».وخلال العامَين الأخيرين من تولّيها السلطة، أدرجت إدارة إبراهيم رئيسي، وفي إطار «سياسة الجوار»، مسألة تطوير العلاقات مع دول الجوار، ولا سيما العربية منها، على جدول أعمالها. وتشكّل هذه السياسة، إلى جانب «التحوّل شرقاً» المتركّز بشكل رئيس على توسيع العلاقات الاستراتيجية مع الصين وروسيا، الدعامتَين الرئيستَين للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، فيما يمثّل اتفاق استئناف العلاقات الإيرانية - السعودية، والذي جرى برعاية صينية، النقطة التي يلتقي عندها هذان التوجّهان. وإذ جاءت جولة أمير عبد اللهيان على الدول الأربع، لتدعم المسار الذي انطلق في الأشهر الأخيرة، لكنها أيضاً أشارت، وخصوصاً زيارته قطر وسلطنة عُمان، إلى تطوّرات على مستوى المحادثات وتبادل الرسائل بين إيران والغرب.
وتزامناً مع زيارة وزير الخارجية الإيراني، التقى مساعده السياسي، علي باقري، مساعد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، في الدوحة، مرّتين، يومَي الثلاثاء والأربعاء، واصفاً اللقاءين بـ«الجادَّين» و«البنّاءَين»، موضحاً أن المشاورات تركّزت على «محادثات رفع العقوبات»، وفق التوصيف الذي يعتمده السياسيون الإيرانيون لدى التطرّق إلى محادثات إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، والمتوقّفة منذ صيف العام الماضي. وكان التقى باقري، في أبو ظبي، الأسبوع الماضي، نظراءه الألماني والفرنسي والبريطاني، الذين بحث معهم، وفق مصادر مطّلعة، بالإضافة إلى القضيّة النووية، مسألة التعاون العسكري الإيراني مع روسيا في خضمّ الحرب الأوكرانية، وكذلك تبادل السجناء، علماً أنه تمّ حديثاً، وبوساطة عُمانية، تبادل سجناء بين إيران ودول أوروبية، فيما أجرى رئيسا إيران وفرنسا، أخيراً، محادثة هاتفية استغرقت ساعة ونصف ساعة. كذلك، منعت فرنسا، خلال الأسبوع الجاري، عقْد الاجتماع السنوي لمنظّمة «مجاهدي خلق» الإيرانية التي تُعدّ أكثر مجموعات المعارضة الإيرانية في الخارج تنظيماً. كما داهمت الشرطة الألبانية، يوم الإثنين، معسكر أعضاء هذه المجموعة في تيرانا، في ما يمكن أن يؤشّر إلى تحسُّن في العلاقات بين إيران والدول الأوروبية.
تتحرّك كل من طهران وواشنطن في اتجاه اتفاق غير رسمي ومؤقّت


وفي موازاة المحاولات الرامية إلى خفض التوتّر بين إيران وأوروبا، نُشرت، خلال الأسابيع الأخيرة، تقارير عن محادثات جرت بين الجانبَين الإيراني والأميركي في مسقط، أكد الطرفان لاحقاً حصولها من دون التطرّق إلى فحواها. وفي الوقت ذاته، ذهبت مصادر مختلفة إلى القول إنه في الظروف التي تضاءلت فيها الآمال بإمكانية الإحياء الكامل للاتفاق النووي، تتحرّك كلّ من طهران وواشنطن في اتّجاه اتّفاق غير رسمي ومؤقت، إذ تدور المحادثات، وفق ما يشاع، حول تقييد البرنامج النووي الإيراني (وقف تخصيب اليورانيوم بما يفوق الـ60%)، والإفراج عن ثلاثة سجناء أميركيين، في مقابل الإفراج عن جزء من الأرصدة الإيرانية المجمّدة في الخارج، وعدم تكثيف العقوبات. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز» عن «مصادر أميركية وغربية»، قولها إن الهدف من المحادثات هو مجرد التوصل إلى «ضرب من التفاهم»، ذلك أن أيّ «اتفاق» مع إيران يتطلّب إطلاع الكونغرس عليه وتأييده له، علماً أنه يجري التداول بما مفاده أن مفعول الاتفاق المؤقت سينتهي مع نهاية ولاية جو بايدن. مع هذا، تنفي كل من طهران وواشنطن الأنباء عن السعي للتوصل إلى اتفاق مؤقت، غير أن المحادثات المكثّفة الجارية على مستويات مختلفة، تبدو مرتبطة بالتوصّل إلى اتفاق مهما كان اسمه.
من جهتها، تواصل إسرائيل التحذير من أنها ستعارض أيّ اتفاق يُبقي على القدرات النووية للجمهورية الإسلامية على حالها ومن دون تغيير، ولا يستهدف إزالتها والقضاء عليها، مؤكدة أنها غير ملزمة بالتقيّد بهكذا اتفاقات. کما أعرب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مايكل ماكول، في رسالة إلى الرئیس الأميرکي، عن قلقه من المفاوضات غير الرسمية مع إيران، قائلاً إن الكونغرس ليس على علم بتفاصيل المفاوضات. وردّاً على هذا الموقف، وبعض التقارير حول تغييب الدول الأوروبية عن المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أكّد نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، الأربعاء، أن الإدارة على «اتّصال دائم» مع كل من الكونغرس والدول الأوروبية في ما يتعلّق بإيران.
على خطّ موازٍ، وفي خطوة مثيرة للجدل، وافقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، بأغلبية أصوات أعضاء الحزبَين الجمهوري والديموقراطي، على خطّة لإخراج بعض عقوبات الولايات المتحدة ضدّ إيران من الحالة المؤقتة وجعلها دائمة. وطبقاً لهذه الخطّة التي تسمّى «قانون توطيد العقوبات على إيران»، فإن العقوبات الأميركية التي فُرضت ابتداءً من عام 1996 بهدف مواجهة تصرّفات طهران في مجال البحث وتطوير الأسلحة النووية والكيميائية والقيام بـ«أنشطة إرهابية» ضدّ الولايات المتحدة وحلفائها، والصالحة لغاية عام 2026، ستصبح دائمة.