طهران | أَوجدت مراجعة الترخيص الأمني للمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، وتعليق مهامّه، وما أعقب ذلك من تعبير مجلس النواب الأميركي عن «قلقه» إزاء ما أُطلق عليه «الإجراءات المُضلّلة» لوزارة الخارجية الأميركية في هذا الخصوص، ظروفاً غامضة ومعقّدة، وعلى وجه التحديد في إطار ما يتمّ تداوله من أخبار متناقضة حول المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، واقتراب الطرفَين من تفاهم بحدِّه الأدنى لإدارة التصعيد. وبدأت القضيّة مع إعلان الناطق باسم الخارجية الأميركية، مات ميلر، الخميس الماضي، أن «روبرت مالي في عطلة إجبارية، ويعمل أبرام بالي - مساعد مالي - مبعوثاً خاصاً بالوكالة إلى إيران، ويقود عمل الوزارة في هذا الشأن»، ليردّ مالي، بعدها بساعات، على أسئلة وسائل الإعلام، بالقول: «أُبلغتُ أن ترخيصي الأمني قيد المراجعة. لم أحصل على أيّ معلومات أخرى، لكنّي أتوقّع أن ينتهي التحقيق إلى نتيجة طيبة وقريباً. في غضون ذلك، أنا في إجازة إجبارية».وفي أعقاب هذه التصريحات، نشرت وسائل إعلام أميركية معلومات عن التحقيق، إذ أبلغ مسؤول أميركي، شبكة «سي إن إن»، أن «الترخيص الأمني لمالي عُلّق في خضمّ التحقيقات الأمنية الدبلوماسية لوزارة الخارجية في شأن سوء التعامل المحتمل مع الوثائق السريّة». وفيما لم تُقدَّم تفاصيل في شأن «سوء التعامل المحتمل مع الوثائق السرية» هذا، غير أن تأكيد التهمة سيعني متاعب جادّة لمالي ولوزارة الخارجية. وأفاد مسؤول أميركي آخر، تحدّث إلى «سي إن إن»، أيضاً، بأن «روبرت مالي بقي يزاول عمله لمدّة، بعد بدء تحقيقات وزارة الخارجية الأميركية، لكنه مُنع من الوصول إلى الوثائق السرية». وبناءً على ذلك، أدّى إطلاق هذه التحقيقات إلى «تعليق الترخيص الأمني لروبرت مالي»، خلال الشهرَين الماضيَين. وكان مالي عُيّن مبعوثاً أميركيّاً خاصّاً إلى إيران في كانون الثاني عام 2021، بعد فترة قصيرة من تولّي جو بايدن السلطة. وتمثّلت مهمّته الرئيسة في المضيّ قُدُماً في المحادثات غير المباشرة مع طهران لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب في عام 2018، علماً أن هذه المحادثات توقّفت في صيف العام الماضي، من دون أن تتمخّض عن نتيجة محدَّدة. وإبّان المفاوضات التي أفضت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015، كان مالي مديراً لـ»مجموعة الأزمات الدولية» التي كانت تقيم علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية والإدارة الأميركية آنذاك. واتُّهم الرجل، من قِبَل بعض الأوساط الأميركية، بالمرونة إزاء إيران وبمجاراتها.
وبعد يوم واحد من الإعلان عن نبأ تعليق الترخيص الأمني لمالي، دخل مجلس النواب الأميركي على الخطّ، لتتّخذ القضيّة تالياً منحًى جديداً وأكثر تعقيداً، بينما تتّجه لتتحوّل إلى خلاف بين الحكومة والكونغرس الأميركيَّين. وفي هذه الأثناء، طالب رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس النواب، الجمهوري مايكل ماكول، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بإطلاع الكونغرس على تفاصيل التحقيق، قائلاً إن «التقارير حول تعامل روبرت مالي، وما إذا كان قد ضلَّل وزارة الخارجية والكونغرس والرأي العام الأميركي، تثير قلقاً جادّاً». وأضاف أن «تقاعُس وزارة الخارجية في إطلاع الكونغرس» على ملفّ مالي يُبرز في أفضل الحالات «انعدام الصراحة»، و في أسوئها «معلومات خاطئة متعمّدة، وضمناً غير قانونية».
كانت «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس النواب طالبت مالي بوضعها في صورة المحادثات غير المباشرة التي تجريها إدارة بايدن مع إيران


ومنذ منتصف نيسان الماضي، كانت «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس النواب قد طالبت مالي بوضعها في صورة المحادثات غير المباشرة التي تجريها إدارة بايدن مع إيران حول البرنامج النووي، واعتقال أميركيين في هذا البلد. وبحسب ماكول، كان مسؤولو وزارة الخارجية قالوا، في حينه، إنه لا يمكن مالي أن يدلي بشهادة أو وجهة نظر «لأنه في عطلة بسبب مرض أحد أفراد الأسرة القريبين». وبحسب رئيس اللجنة، فإن وزارة الخارجية لم تعلن أن الترخيص الأمني لمالي قد عُلّق، أو تتمّ دراسته، أو أنه يخضع للتحقيق «على خلفية مخالفة محتملة»، مشيراً أيضاً إلى أن الاجتماع المغلق للكونغرس والذي عُقد قبل نحو شهر ونصف شهر، حضرته كلّ من نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، ومساعد روبرت مالي أبرام بالي، لكن مالي تغيَّب عنه. والآن، يُطالب مايكل ماكول، في رسالته، بلينكن، بإبداء الشفافية حول هذا الموضوع، ويدعو إلى تقديم «كلّ الوثائق والاتصالات والمراسلات المتعلّقة بدراسة أو تعليق» الترخيص الأمني لروبرت مالي، وكذلك «التحقيق في شأن سوء تعامل مالي»، إلى الكونغرس. ومن جهته، غرّد السناتور الجمهوري، ماركو روبيو، عبر «تويتر»، قائلاً إن «الوضع الخاص بمالي يدفع الكونغرس، وأكثر من أيّ وقت مضى، إلى تسليط الضوء بدقّة على الصفقة السرية التي يُراد إبرامها مع إيران».
وأجرت طهران وواشنطن، على مدى الأسابيع الأخيرة، عدّة جولات من المحادثات في سلطنة عمان ونيويورك، فسّرها البعض بأنها تهدف للتوصّل إلى اتفاق مؤقّت ومحدود، في ضوء الظروف التي بات فيها من الصعب إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بشكل كامل. ومع ذلك، أكدت مصادر مطلعة أن روبرت مالي لم يشارك في المحادثات التي جرت مع الأطراف الإيرانية في مطلع أيار الماضي في سلطنة عمان، بل إن منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغورك، رئِس الوفد الأميركي.
ويعني غياب مالي عن محادثات مسقط، أن البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأميركييْن، تولّيا توجيه وإدارة المحادثات مع إيران، وبالتالي تنحية مالي جانباً.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ذكرت أن مالي، وحتى قبل نشر الأنباء التي تحدّثت عن تعليق ترخيصه الأمني، اضطلع في الظاهر بدور باهت في سياسات الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كذلك، كان للأنباء والتطوّرات المتعلّقة بمالي، صدًى في إيران، على رغم أن السلطات الرسمية لم تعلّق، إلى الآن، على هذا الموضوع. ومع ذلك، فقد فسّرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا)، في تقرير لها، «عطلة» مالي، «بإقصائه من منصبه»، ورحّبت بذلك. وكتبت في تقرير بعنوان «ما الرسائل التي يحملها إقصاء مالي؟». إن ما جرى يمثّل تطوّراً في مسار «التوصّل إلى اتّفاقات مع طهران». أمّا موقع «نور نيوز» القريب من مجلس الأمن القومي الإيراني، فقد ألقى نظرة مختلفة على الأمر، معتبراً أن استبدال روبرت مالي لا ينطوي على رسالة إلى إيران في ما يخصّ المحادثات. وكتب: «إنّ البعض يرى أن استبدال روبرت مالي ينطوي على رسالة إلى إيران بخصوص المحادثات الرامية إلى رفع العقوبات، في حين أن السياسة الخارجية للدول غير مرتبطة بالأشخاص، بل هي حصيلة القرارات الجماعية التي تُتّخذ على مستوى الدولة».
وقبل هذه التعليقات، قال منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، في تعليقه على احتمال حدوث تغيير في توجّهات إدارة بايدن تجاه إيران بعد خروج روبرت مالي، إن «أيّ تغيير لم يطرأ على توجّهات أميركا تجاه إيران»، وإن «السياسات الأميركية ستستمرّ كما هي».