لندن | يحط الرئيس الأميركي، جو بايدن، في لندن اليوم حيث سيلتقي العاهل البريطاني، الملك تشارلز الثالث، ورئيس وزرائه، ريشي سوناك، قبل أن يتّجه إلى العاصمة الليتوانية فيلينوس على بعد أقل من 100 ميل من روسيا للمشاركة في قمّة «حلف شمال الأطلسي»، حيث عدّة ملفات بحاجة إلى الحسم، تبدأ من الوضع المزري للهجوم الأوكرانيّ المضاد، ولا تنتهي عند العلاقة مع الصين وتواجد الحلف خارج مياهه التقليديّة، على أن ينتقل بعدها إلى هلسنكي للترحيب رسمياً بانضمام فنلندا إلى الحلف. وعلى رغم أن هذه الرحلة الأوروبية الطويلة تكتسب طابعاً انتخابياً بحكم سعي بايدن إلى ولاية ثانية، فإن قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بذخائر عنقوديّة قد يشير إلى توجه نحو مزيد من التصعيد في ظلّ تقييم غربي بضعف نظام الرئيس فلاديمير بوتين
غادر الرئيس الأميركي، جو بايدن، بلاده مساء أمس، متجهاً إلى العاصمة البريطانية لندن حيث من المقرر أن يبدأ منها جولة أوروبية تستغرق خمسة أيّام يلتقي فيها (الإثنين) بالملك تشارلز الثالث في اجتماع وديّ احتفالي، ثم برئيس الوزراء ريشي سوناك، قبل التوجه تالياً إلى العاصمة الليتوانيّة فيلينوس على بعد أقل من 100 ميل عن روسيا، حيث يعقد «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) قمته السنويّة يومَي الثلاثاء والأربعاء. ومن المفترض أن يلقي بايدن خطاباً رئيساً له يضع فيه التوجيهات الصريحة للحلفاء الثلاثين للولايات المتحدة حول العديد من الملفات المطروحة على جدول أعمال قمّة الحلف بما فيها بعض القضايا الخلافيّة، قبل أن يغادر إلى هلسنكي لحضور قمّة دول البلطيق، والاحتفال مع مضيفيه بتمدد «الناتو» إلى بلادهم في أقصى الشمال الغربيّ لروسيا بعد عقود مديدة من الحياد.
ومع أن جولة بايدن الأوروبيّة تحمل مكونات رمزيّة عديدة، وتبدو إلى حد كبير جزءاً من الحملة الانتخابيّة المبكرة للرئاسيات التي سيخوضها العام المقبل، فإن بعض الملفات المطروحة على قمة فيلينوس اكتسبت أهميّة إضافيّة في ظل الأداء الهزيل للجيش الأوكراني في هجوم الربيع المضاد، وفي الوقت نفسه تزايد الإشارات إلى ما يراه الغرب تصدعات في نظام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعجزاً عن الاستجابة لاستراتيجية التصعيد المتدرّج التي يتبعها «الناتو». وبحسب مطلعين على مداولات تحضيريّة للقمّة، فإن الجانب الأميركي يريد الاستفادة من «لحظة ضعف بوتين» - كما كشفها تمرد قوات «فاغنر» الأخير - لمدّ النظام الأوكراني بمزيد من الأسلحة التي من شأنها تمكين جيش كييف من إحراز تقدّم حقيقيّ على الأرض، قبل أن تتقلّص فرص القتال بسبب الطين والثلوج خلال أشهر قليلة. ولعل قرار الولايات المتحدة الأخير تزويد القوات الأوكرانيّة بذخائر عنقوديّة (محرّمة لدى أكثر من 100 دولة) يأتي في هذا السياق، على رغم تحفّظ بعض الحلفاء الرئيسيين بمن فيهم بريطانيا نفسها – أحد أشد المتحمسين للحرب ضدّ روسيا - على ذلك. وفي القراءة الأميركيّة، فإن التمرّد الذي قاده يفغيني بريغوجين، زعيم «فاغنر»، كشف عن كفاءة الدّعم الغربيّ لأوكرانيا، والذي منع موسكو من تحقيق انتصار رغم تفاوت القدرات بين الجيشين الأوكراني والروسي لمصلحة الأخير. واتبع الحلف، طوال الـ 18 شهراً الماضية، سياسة التصعيد المتدرّج في نوعية الأسلحة المرسلة إلى كييف، فيما يبدو أن المخاوف من الرّد الروسيّ على تلك الخطوات تضاءلت بشكل مطرد مع اكتفاء موسكو بالشكوى العلنية والتنديد فحسب.
بايدن قد يكون على وشك تقديم رشوة لإردوغان عبر تزويد سلاح الجو التركي بمقاتلات من طراز «إف 16» في وقت ما


وكان الأميركيون حسموا قبل القمّة ملف منصب الأمين العام لـ «الناتو» عبر قرارهم التجديد للنروجيّ ينس ستولتنبرغ لعام آخر ينتهي في 30 أيلول 2024. وقُرئ هذا الحسم الأميركيّ كعلامة على سعي بايدن للحفاظ على وحدة الصفّ داخل الحلف، وتجنّب أي خلافات جانبيّة قد تؤخر من عمليّة اتخاذ القرارات في ظل تعقّد المواجهة مع روسيا، علماً أن الحلفاء سيصادقون على قرار التمديد خلال القمّة. ويبدو أن ملفاً آخر عالقاً سيكون مصيره حسماً أميركيّاً مماثلاً: انضمام السويد إلى الحلف والذي تعطّل لعدة أشهر بسبب اعتراضات من تركيا وهنغاريا. إذ إن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ما زال رغم التجديد له في الرئاسة وخروجه من دوامة الانتخابات، مصرّاً على ضرورة أن ينفّذ السويديون تعهداتهم بشأن المطالب التركيّة تجاه استضافة استوكهولم لناشطين أكراد وآخرين من جماعة فتح الله غولن، علماً أن السويد عدّلت بالفعل دستورها لإرضاء طلبات أنقرة، وفعّلت قوانين خاصة لمكافحة الإرهاب، لكن تركيا تطمح إلى البدء بتسلم المطلوبين. وبحسب مصادر في مقر «الناتو» في بروكسيل، فإن بايدن يرغب في أن يحسم هذا الملف خلال القمة، فيما قد يكون على وشك تقديم رشوة لإردوغان عبر تزويد سلاح الجو التركي بمقاتلات من طراز «إف 16» في وقت ما، ربمّا بعد انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. وكان الرئيس الأميركي التقى برئيس وزراء السويد، أولف كريسترسون، في البيت الأبيض الأربعاء الماضي، وقال له أمام الصحافيين: «أريد أن أكرر أن الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي. خلاصة القول: انضمام السويد سيجعل تحالفنا أقوى». وعُلم أيضاً بأن بيتر زيجارتو، وزير الخارجيّة الهنغاري، الذي تشارك بلاده تركيا موقفها من انضمام السويد، قد أبلغ نظيره التركي بأن بودابست مستعدة لسحب اعتراضها لدى سحب الأتراك اعتراضهم، كما تأكد أن اجتماعاً ثنائياً سويدياً - تركياً سيعقد على هامش القمّة بحضور الأمين العام لـ «الأطلسي».
على أن المواجهة مع روسيا على الأرض الأوكرانيّة ستظل المسألة الأساسية على جدول أعمال القمّة، التي تأكد أن الرئيس الأوكرانيّ، فولوديمير زيلينسكي، سيحضرها إلى جانب الزعماء الـ31. وقد حاول زيلينسكي الذي تحوّل هجوم قواته المضاد إلى مهزلة مديدة، توريط «الناتو» في صراع مباشر مع الروس عبر استباق القمّة بالادعاء أن «القوات الروسية شرعت في وضع أشياء تشبه المتفجرات على سطح العديد من وحدات الطاقة في محطة زابوريجيا النووية»، مستنتجاً أن موسكو تحضّر لما سماه «ارتكاب شر جديد في المحطة»، أي كارثة نووية. لكن رافائيل ماريانو غروسي، المدير العام لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، نفى في بيان وجود أيّ «مؤشرات واضحة على زرع ألغام أو متفجرات» في موقع المحطة الخاضع لمراقبة الوكالة.
وتريد أوكرانيا – مدعومة من بولندا ودول البلطيق – أن تتخذ قمّة «الناتو» قراراً بضم كييف إلى الحلف، في وقت يتردد فيه بعض الحلفاء المهمين مثل ألمانيا وفرنسا في اتخاذ خطوة مثل هذه قد تكون فاتحة حرب شاملة مع روسيا. ومع أن ماكرون المثخن بجراحه الداخلية قد غيّر موقفه خلال قمة ثلاثية فرنسية – ألمانية – بولنديّة عقدت في باريس الشهر الماضي وأصبح أقرب إلى وارسو منه إلى برلين، إلا أن المستشار الألماني، أولاف شولتس، ما زال قلقاً للغاية من احتمال تورط ألمانيا مباشرة في الصراع الدائر وتحول بلاده إلى ساحة لتصفية الحسابات. ويبدو أن الموقف الأميركيّ إلى الآن، وفي ظل حسابات داخليّة واعتبارات استراتيجية معقدة، يميل إلى التروي في منح أوكرانيا عضوية كاملة، مع منح النظام هناك ترتيبات مؤقتة خاصّة مع الحلف، تسمح بدعمه عسكرياً وماديّاً من دون أن تخضع لقاعدة الدّفاع المشترك عن أي عضو في الحلف عند تعرضّه للهجوم.
ومن الملفات الأخرى التي سيسعى الأميركيون للتعامل معها خلال القمّة، الموافقة على خطط تعظيم وجود «الناتو» على طول حدود روسيا الغربية بشكل كبير، بما في ذلك تخزين المعدات في قواعد على امتداد الجناح الشرقي للتحالف، ونشر ما يصل إلى 300 ألف جندي من القوات الدائمة التي يمكن أن تدخل المعركة في غضون مهلة قصيرة. بالإضافة إلى ما تَقدم، قال مسؤولون في الحلف إن الأخير سيضع «حداً أدنى» للإنفاق العسكري، مع 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كحد أدنى مطلق لجميع الأعضاء. وفي الوقت الحالي، لا تفي سوى 11 دولة من أصل 31 دولة في حلف شمال الأطلسي بهذا المعيار المرجعي للإنفاق.
وسيدفع الأميركيون الحلفاء في القمّة إلى تبني نهج استراتيجي عدائيّ تجاه الصين أبعد من مجرّد دور بكين في أوروبا، وبالتالي توسيع مظلّة «الناتو» خارج مياهه التقليديّة نحو المحيطين الهادئ والهندي. وتتباين وجهات نظر فرنسا وألمانيا وغيرهما بهذا الشأن عن توجهات الولايات المتحدة بحكم مصالحهما الاقتصادية المتشابكة مع العملاق الآسيوي، لكن واشنطن مصرّة على أن دعم بكين لموسكو في المواجهة الجارية وضع الأمور في سياق مختلف يستدعي صياغة استراتيجية محدثة.
وإلى بايدن، وزعماء دول الحلف بمن فيهم الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا والمستشار الألمانيّ، سيصل إلى فيلينوس التي تحولت إلى قلعة محميّة بقوات «الناتو» ودفاعاته الجويّة، رؤساء وزراء أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى كبار قادة الاتحاد الأوروبي. وبعد انتهاء أعمال القمّة، سيتوجه بايدن إلى هلسنكي لحضور قمة دول البلطيق والترحيب بفنلندا رسمياً العضو رقم 31 في «الناتو»، فيما من المتوقع أن يعقد مؤتمراً صحافياً يوم الخميس في العاصمة الفنلندية قبل أن يعود إلى بلاده.