طهران | بدأت القوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، أول من أمس، ومن دون إعلان مسبق، مناورات في مياه الخليج، وبالتحديد في جزيرة أبو موسى - إحدى الجزر المتنازع عليها بينها وبين الإمارات -، بهدف «عرض القوّة والجهوزية الدفاعية القتالية للقوات البحرية للحرس الثوري لحماية أمن الخليج الفارسي والجزر الإيرانية». ووفق ما أوردت وكالة أنباء «فارس»، القريبة من «الحرس»، فقد تمّ خلال المناورة التي حضرها القائد العام، حسين سلامي، وقائد القوات البحرية، علي رضا تنكسيري، وللمرّة الأولى، الكشف عن منظومة «قدير» لصواريخ «كروز»، وكذلك صاروخ «فتح 360» الباليستي، المزوّدَين بـ«الذكاء الاصطناعي»، بحسب المصدر نفسه. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، «إرنا»، بدورها، أنه تمّ خلال المناورة استخدام «المُسيّرات والقطع البحرية المُسيّرة والمزوّدة بالذكاء الاصطناعي»، فضلاً عن مشاركة قطع بحرية مجهّزة بـ«صواريخ بعيدة المدى، يبلغ مداها 600 كيلومتر». وتأتي هذه المناورة، أولاً، كردّ فعل من جانب إيران على البيان الختامي للاجتماع المشترك الأخير لروسيا والدول الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي»، والذي عبّر أطرافه عن دعمهم موقف الإمارات من الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وتأييدهم «إحالة ملفّ الجزر الثلاث إلى محكمة العدل الدولية، أو المحادثات الثنائية»، في موقف استتبعه استياء من جانب السلطات الإيرانية. وقبلها، كانت الحكومة الصينية قد وضعت، في بيان مشترك مع دول «مجلس التعاون»، علامة استفهام حول سيادة إيران على هذه الجزر، ودعمت الموقف الإماراتي في هذا الخصوص، وذلك على رغم أن الصين وروسيا هما القوّتان اللتان تنامت علاقات إيران معهما بصورة لافتة على خلفية التصعيد الذي يسود العلاقات بين طهران والغرب. ويكمن القلق الإيراني في أن دعم بكين وموسكو موقف أبو ظبي، يضعف الموقف الإيراني في النزاع. يُذكر أن الحكومة الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وفي مقابل تخلّيها عن مزاعمها التاريخية بسيادتها على البحرين، قد ثبّتت سيادتها على الجزر الثلاث من خلال الاتّفاق مع الحكومة البريطانية آنذاك، عندما لم تكن دولة الإمارات قد تأسّست رسميّاً بعد. وعلى رغم ما تَقدّم، تقول أبو ظبي إن تلك الجزر تعود إليها.
وبعد الاحتجاجات الديبلوماسية، يبدو أن «الحرس الثوري» يسعى، من وراء مناوراته، إلى إظهار جدّية إيران وجهوزيتها الفعلية في الدفاع عن هذه الجزر، على رغم أن ذلك قد يزيد من حدّة النزاع في هذا الخصوص بين الجمهورية الإسلامية والدول الخليجية، ولا سيما الإمارات. لكنّ الهدف من المناورات لا يتصل بقضيّة الجزر فحسب، بل أيضاً بزيادة التحرّكات العسكرية الأميركية في المنطقة؛ إذ تجري التدريبات فيما أفادت وكالة أنباء «أسوشييتد برس» بأن الولايات المتحدة تقوم بنقل آلاف من قوات المشاة البحرية على متن سفينتَي «یو إس‌ إس باتان» و«یو إس‌ إس کارتر هال» الهجوميّتَين إلى الخليج. ووفق الوكالة، فإنه تمّ كذلك إرسال مقاتلات «إف-16» و«إف-35» ومدمّرة «يو إس إس توماس هوندر» إلى مياه الخليج. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن هذا الانتشار العسكري يأتي «كردّ على محاولات إيران الأخيرة لتهديد التدفّق الحرّ للتجارة عبر مضيق هرمز والمياه المحيطة به». إزاء ذلك، جدّد علي رضا تنكسيري، في حفل تدشين المناورة، التأكيد أن أمن الخليج يجب توفيره على أيدي بلدان المنطقة، داعياً الأخيرة إلى التحلّي باليقظة إزاء «مؤامرات» الدول الخارجية. وكانت أفادت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية بأن المناورة انطلقت تحت اسم «إسحاق دارا»، وهو الشخص الذي قُتل يوم 18 نيسان 1988 في الاشتباك الذي دار بين إيران وأميركا في مياه الخليج في ذروة الحرب الإيرانية - العراقية.
وتتزامن مناورات «الحرس الثوري» مع تصاعُد الخلاف بين إيران والكويت حول حقل «الدرة/ آرَش» الغازي - النفطي، بعدما أعلن وزير النفط الكويتي، سعد البراك، الأسبوع الماضي، أن بلاده «ستبدأ الحفر والإنتاج في حقل الدرة/ آرش من دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران»، ليردّ نظيره الإيراني، جواد أوجي، قائلاً إن بلاده «لا تحتمل البتّة إهدار حقوقها» في هذا الحقل، و«إن لم تكن هناك رغبة في التفاهم والتعاون، فإن إيران ستضع على جدول أعمالها الحقوق والمصالح والاستثمار والتنقيب عن المصادر الآنفة الذكر». وعليه، يبدو أن إيران تسعى من خلال المناورة، إلى إيجاد أداة ضغط على كل من الكويت والسعودية. ويمكن التصعيد الأخير الناجم عن اشتداد حدّة النقاش في شأن الجزر الثلاث، مروراً بوضع حقل «الدرة/ آرش»، وصولاً إلى تكثيف الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة وما أعقبه من مناورات عسكرية إيرانية، أن يشكّل مؤشراً إلى احتمال بروز توتّرات واشتدادها مستقبلاً في المنطقة، وبالتالي تضرُّر عمليّة الانفراج التي بدأت مع الاتفاق بين إيران والسعودية في آذار الماضي.