طهران | بعد انضمامها إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» كعضو دائم، بدأت إيران بذل جهود للانضمام إلى مجموعة «بريكس»، في مساعيها لاحتواء الضغوط والعقوبات الأميركية ضدّها، بالنظر إلى ما يجمع المنظّمتَين من تطلّع إلى تعزيز التعددية القطبية والتصدي للهيمنة الأميركية. وعلى طريق هذا الهدف، واستباقاً للقمّة المرتقبة لـ«بريكس» في جنوب أفريقيا بين 22 و24 آب الجاري، احتضنت طهران، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً بعنوان «إيران وبريكس: آفاق الشراكة والتعاون»، حضره أعضاء الدول الأعضاء في «بريكس» ومسؤولوها وسفراؤها، بمن فيهم نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، وممثّل جنوب أفريقيا في المجموعة، أنيل سوكلال، وكذلك ديبلوماسيون من دول أخرى ومحلّلون سياسيون دوليون. وعلى هامش الاجتماع، الذي أقامته النيابة الاقتصادية لوزارة الخارجية الإيرانية، أكّد وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، مشاركة رئيس بلاده، إبراهيم رئيسي، في قمّة «بريكس» المرتقبة، تلبيةً لدعوة من نظيره الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا. وأشار عبد اللهيان إلى نشوء شراكة بين إيران ودول المجموعة في بعض المجالات المشتركة، متطرّقاً خصوصاً إلى التعاون بين إيران والصين لوصل الأخيرة بالخليج وبحر عمان والمحيط الهندي، والذي من شأنه أن يسهم فعلياً في ربط الصين والهند معاً بوصفهما عضوَين مؤسّسَين لـ«بريكس»، فضلاً عن وصل الصين بجنوب أفريقيا وحتى البرازيل. وفي قطاع الطاقة وأمنه، رأى عبد اللهيان أن بلاده تمثّل قيمة مضافة مهمّة لأعضاء «بريكس»، فيما لفت ريابكوف إلى أن المفاوضات حول انضمام طهران إلى المجموعة لا تزال جارية، من دون أن يحدّد موعداً للموافقة على الانضمام.
وبينما تضمّ «بريكس» التي تأسّست عام 2009 كتكتّل اقتصادي عالمي، 5 دول صاحبة أسرع نموّ اقتصادي في العالم، هي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، أبدت 23 دولة، إلى جانب إيران، رغبتها في الانضمام إلى التكتل، ومن بينها السعودية والإمارات ومصر والمغرب وبوليفيا والأرجنتين. وتهدف المجموعة التي تشكّل دولها نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، وتستحوذ على ربع الناتج القومي الإجمالي، إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة «مجموعة السبع» (G7). وضمن هذا التنافس، تسعى «بريكس» إلى الحدّ من هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، عبر تحفيز التجارة بالعملات الوطنية. كذلك، تسعى، من خلال تأسيس «بنك التنمية الجديد» (متعدد الأطراف برأس مالي أوّلي قدره 100 مليار دولار)، للتحوّل إلى قطب مؤثر في النظام المالي العالمي. من هنا، يُفهم حرص إيران على نيل عضوية «بريكس» في سبيل الحصول على حصة أكبر في التجارة العالمية، عن طريق تكتّل مبنيّ على أساس الحوار والشراكة.
تعترض إيرانَ في طريقها إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية ضغوط الولايات المتحدة


إلّا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا لم يوافق الأعضاء الرئيسيّون في «بريكس» على أيّ طلب انضمام جديد إلى الآن، على الرغم من أن القائمة طويلة؟ شكلياً، يعود الأمر إلى هيكلية «بريكس» نفسها، شأنها شأن باقي التكتلات الدولية، التي يحتاج انضمام أيّ عضو جديد إليها إلى موافقة جميع الأعضاء. غير أن الأعضاء الخمسة الرئيسيّين لم يتّخذوا قراراً بعد بفتح أبواب التكتل أمام الأعضاء الجدد، وهو الأمر الذي تمحورت حوله مناقشات اجتماع وزراء خارجية المجموعة الذي استضافته جنوب أفريقيا في حزيران الماضي، والذي يُفترض أن تشكّل مخرجاته توطئة لقمّة «بريكس» المقرّرة هذا الشهر. وفي خضمّ التسابق على الدخول إلى نادي المجموعة، تواصل إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، التي يمرّ عامان على تولّيها السلطة في ايران، العمل على «تنويع العلاقات الخارجية» للبلاد، وتثبيت سياسة «التحوّل شرقاً» عبر تكثيف الحضور الايراني في الأوساط التي تشتغل على كسر هيمنة الغرب. كما تسعى الإدارة نفسها، التي تقول إنها لا تريد أن تظلّ رهينة محادثات إحياء الاتفاق النووي، إلى ربط مصالح إيران بتكتلات اقتصادية دولية، لكي تتمكن من الخروج من العزلة المفروضة عليها من الغرب، إلى جانب تقليص الأضرار الناتجة من العقوبات. ومع ذلك، يبدو أن الضغوط الأميركية على الدول التي تحاول إيران الإفادة من المنافع الاقتصادية للتعاون معها، لا تزال تعيق انفراجة كبرى في هذا المجال، وهو ما أشار إليه النائب الأول للرئيس الايراني، محمد مخبر، الذي أعلن الاتفاق مع ثلاث دول للإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة، لكن، بعد 24 ساعة، ألغيت هذه الاتفاقات إثر التدخل الأميركي.
في كلّ الأحوال، لا يبدو أن إيران تراهن كثيراً على إمكانية رفع العقوبات في المستقبل المنظور، نظراً إلى الفجوات الكبيرة بينها وبين والغرب، والتي تعمّقت خلال السنة الماضية، لأسباب مرتبطة بتطوّر برنامج طهران النووي ودورها في الحرب الأوكرانية. لذلك، تبدو الجمهورية الإسلامية جدّية في السعي للانخراط في تكتّلات من مثل «بريكس»، بهدف إيجاد الحلول البديلة.