طهران | بينما كانت غالبية الأنظار متّجهة خلال الأيام الأخيرة نحو تزايد التصعيد بين إيران وأميركا، وسط تهديد وتوعّد كلّ منهما الآخر في الخليج، أُعلن فجأة أن الطرفين توصّلا إلى صفقة تقضي بإفراج إيران عن 5 محتجزين أميركيين - إيرانيين مزدوجي الجنسية، مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة. وتأسيساً على هذا الاتفاق الذي أعلنت عنه وسائل إعلام إيرانية وأميركية، ومن ثمّ سلطات البلدين مساء الخمیس الماضي، فإنه سيتمّ إطلاق سراح كل من سيامك نمازي، وعماد شرقي، ومراد طاهباز، واثنين آخرين من مزدوجي الجنسية لم تُعلن هويتهما، على أن يتمّ في المقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة لدى كوريا الجنوبية. وقالت وسائل إعلام إيرانية إن هؤلاء السجناء الخمسة نُقلوا من سجن «إيفين» إلى فندق في طهران، وهو ما اعتُبِر تمهيداً لوضع الاتفاق موضع التنفيذ، فيما تقول مصادر مطّلعة إن عملية مغادرة السجناء، إيران، ستستغرق عدة أسابيع، مرجّحةً إتمامها في أيلول المقبل. وبناءً على الصفقة المُعلنة، فإنه من المقرّر أن تُحوَّل الأصول الإيرانية المفرج عنها من كوريا الجنوبية إلى حساب خاص في البنك المركزي القطري، بينما لن يكون بمقدور إيران الوصول إلى هذه الأموال بشكل مباشر، وسيقتصر استخدامها لها على شراء السلع التي لا تخضع للعقوبات الأميركية (الغذاء والدواء وبعض المستلزمات الطبية). كذلك، سيتمّ، بموجب الصفقة نفسها، الإفراج أيضاً عن مواطنين إيرانيين محتجزين لدى أميركا. وللمحادثات التي آلت إلى الاتفاق الحاصل، تاريخٌ طويل؛ إذ تعود انطلاقتها إلى ما قبل عامين ونصف عام، حين أُجريت بصورة غير مباشرة وبوساطة عمانية وجهود قطریة. وانطلقت هذه المحادثات عام 2021 بالتزامن مع محادثات إحياء الاتفاق النووي، إلا أن طرفيها أعلنا مراراً أنه لا علاقة لها بالمحادثات النووية، وأنها تسلك مساراً منفصلاً. وعلى رغم توقف هذه الأخيرة منذ نحو عام، إلا أن إيران وأميركا تمكّنتا من طيّ ملف محادثات الإفراج عن السجناء من ذوي الجنسية الإيرانية الأميركية المزدوجة، بتوصّلهما إلى صفقة نهائية في هذا الخصوص. وتأتي تلك الصفقة بينما تصاعدت التوترات خلال الأسابيع الأخيرة بين إيران وأميركا عقب تكثيف الوجود العسكري للأخيرة في الخليج في وجه ما اعتبرته «احتواء التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية الدولية»، والذي لم يمنع الطرفين، في النهاية، من إتمام خطوات، وإن كانت صغيرة، لخفض التصعيد، لا بل الاتفاق يمكن أن يسهم في تعزيز حظوظ «الاتفاق المؤقّت والمحدود». وكانت تبلورت فكرة الاتفاق المذكور قبل نحو ستة أشهر، بعدما تضاءلت الآمال بإمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي، وتمحورت تلك الفكرة حول إبرام توافقات ذات مدة محدودة وفي شأن موضوعات محددة، وبالتالي التحرك نحو تحقيق ضرب من «الانفراج».
اتفاق إطلاق سراح السجناء المحدود يشي بإمكانية إرساء نماذج مماثلة


والجدير ذكره، هنا، أنه قبل نحو ثلاثة أشهر، قدّمت أميركا اقتراحات للجانب العماني تنص على الإفراج عن مبالغ من الأرصدة الإيرانية المجمّدة، مقابل توقف طهران عن التخصيب بنسبة تزيد على 60%، والسماح لها ببيع نفطها في الأسواق العالمية بصورة أسهل. إلا أن الفترة الزمنية لهذا الاتفاق المقترح بدا أنها أخذت في الاعتبار موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة عام 2024، كونها تتيح لكلا الطرفين التراجع عنه من دون تحمّل أثمان باهظة. وأريد من وراء الاقتراح أن تطْمَئن أميركا إلى عدم وصول برنامج إيران النووي إلى مستوى تصنيع القنبلة النووية في المستقبل القريب، وفي الوقت ذاته أن تقوم إيران بإعادة تأهيل اقتصادها المتأزّم من خلال الحصول على جزء من أرصدتها المجمّدة. وبحسب المصادر المطّلعة، فإن إيران لم تقدّم في تلك الفترة جواباً واضحاً على الاقتراح الأميركي، قائلة إنه قيد الدرس. وفي وقت لاحق، رفض الطرفان إجراء محادثات بشأن إبرام «اتفاق مؤقّت».
في كلّ الأحوال، الاتفاق على الإفراج عن السجناء هو نوع من «الاتفاق المحدود»، وقد يكون من شأنه أن يعزز من جاهزية الطرفين لإرساء نماذج مماثلة، تكون بمنزلة مُهدّئ لإدارة الأزمة، وعلى وجه التحديد تلك المتعلقة بالبرنامج النووي. ويتساوق ذلك مع ما أوردته، أمس، صحيفة «نيويورك تايمز» من أنّ الإعلان عن صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران قد يزيد التعاون الدبلوماسي، وصولاً إلى اتفاق نووي بين الطرفين. وفي السياق نفسه، ذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبري أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية قالوا إنّ «الصفقة هي جزء من التفاهمات الأوسع بين البلدين».