طهران | أظهرت الزيارة الأولى التي قام بها حاقان فيدان بوصفه وزيراً للخارجية التركية، إلى إيران، والقضايا التي ناقشها مع مسؤولي هذا البلد، أن العلاقات بين البلدَين، في ظلّ ولاية رجب طيب إردوغان الثالثة، ستمضي قُدماً على قاعدة «التعاون» و«التنافس»، فيما قد يشجّع كون فيدان رجل استخبارات سابقاً، تعزيز التعاون الأمني بين الجانبَين، ولا سيما في إطار «احتواء المليشيات الكردية». وفي طهران، التي زارها الأحد الماضي، التقى فيدان كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان. ولإبراز أهمية الزيارة، ركّزت الأوساط السياسية والإعلامية في إيران على وصف رجل الاستخبارات السابق بـ»السياسي النافذ والقوي»، وبأنه «الرجل الثاني» في تركيا بعد إردوغان، علماً أن محطّته الإيرانية جاءت مباشرةً بعد توقّفه في موسكو (وقبلها كييف)، حيث التقى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بعد زيارته العراق الأسبوع الماضي لإجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين.واعتمدت العلاقات بين إيران وتركيا، ولا سيما في السنوات الأخيرة، نموذجاً قائماً بالتزامن على عنصرَي «التنافس» و»التعاون»، وهو ما تمكّنتا من إدارته بشكل ثابت ومستقرّ. وعلى هذا الأساس، أجرى فيدان محادثات مطوّلة مع نظيره الإيراني استمرّت على مدى أكثر من ثلاث ساعات، وركّزت خصوصاً على أربعة موضوعات، هي: العلاقات الاقتصادية، سوريا، «حزب العمال الكردستاني» (PKK)، وجنوب القوقاز. في الجانب الاقتصادي، شهدت العلاقات بين البلدين نمواً خلال السنوات الأخيرة، مع ازدياد حجم التبادل التجاري بينهما، خلال العامَين الماضيَين، بنسبة 64%، بارتفاع من 6.9 مليارات دولار إلى 11.3 ملياراً. ويسعى البلدان إلى إيصال هذا الرقم، في المدى المنظور، إلى 30 مليار دولار، وفق التصريحات التي رافقت زيارة فيدان. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن الرئيس الإيراني سيزور أنقرة قريباً، على رغم أنه لم يتمّ بعد تحديد موعد دقيق للزيارة، التي من المقرّر أن يتمّ خلالها عقد الدورة الثامنة لـ«المجلس الأعلى للعلاقات الاستراتيجية الإيرانية - التركية».
تمثّل منطقة جنوب القوقاز مسألة معقّدة وخلافية بين طهران وأنقرة، إذ لم تتوصّلا بعد إلى رؤية مشتركة حولها


وفي الموضوع السوري، قيل إن فيدان دعا، خلال محادثاته مع المسؤولين الإيرانيين، طهران، إلى الاضطلاع بدور في إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، على رغم استمرار الوجود العسكري التركي في أجزاء من الأراضي السورية. وشدّد المسؤولون الإيرانيون، في المقابل، على «ضرورة احترام وحدة الأراضي السورية». وإذ تتوقّع تركيا من إيران أن تجري محادثات مع السلطات السورية للتمهيد لعودة اللاجئين إلى بلادهم، فقد دعا فيدان، دمشق، إلى بذْل المزيد من الجهد من أجل احتواء المجموعات الكردية السورية المسلّحة، علماً أن الآصرة الأيديولوجية والجغرافية بين الأكراد السوريين والأكراد الأتراك، تُعدّ مصدر قلق دائماً بالنسبة إلى السلطات التركية. وفي هذا الجانب، قال وزير الخارجية الإيراني إن بلاده ستستثمر «علاقاتها الودّية مع سوريا وتركيا» لتبديد هواجس أنقرة، على أن «يتم احترام سلامة التراب السوري». كذلك، سعى فيدان إلى الحصول على موافقة إيران على التعاون في مجال احتواء المجموعات الكردية، وخاصّة أنشطة «حزب العمال الكردستاني» في المنطقة، حيث تبدي كلّ من طهران وأنقرة قلقها من تحوّل إقليم كردستان العراق إلى ملاذ آمن ومعقل للمليشيات الكردية، وتعتبران ذلك تهديداً موجّهاً لأمنهما القومي. وبحسب ما جرى تداوله في هذا الإطار، فإن ثمّة توافقات محدّدة تمّ التوصّل إليها بين الطرفَين اللذين يمكن أن يتّخذا إجراءات منسّقة ضدّ مواقع المليشيات الكردية، ولا سيما في العراق، الذي كانت إيران قد وجّهت، في وقت سابق، إنذاراً إليه بخصوص نزع سلاح المليشيات الكردية - الإيرانية المنتشرة في هذا الإقليم.
أمّا الموضوع الرئيس الرابع، فتمثّل في الوضع في جنوب القوقاز، وبالتحديد المنطقة الحدودية بين إيران وآذربيجان وأرمينيا، والتي تمثّل مسألة معقّدة وخلافية بين البلدَين اللذين لم يتوصّلا بعد إلى رؤية مشتركة حولها. وقال وزير الخارجية الإيراني، صراحةً، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره التركي، إن بلاده لن تقبل إطلاقاً «تقييد المسارات التاريخية للترانزيت الموجودة في المنطقة»؛ في إشارة إلى محاولات باكو المدعومة من جانب أنقرة لإنشاء ممرّ «زنغزور» البري، وهو الطريق الذي يقع على حدود البلدان الثلاثة ومن شأنه أن يوصل جمهورية آذربيجان بأرمينيا. لكن بما أن هذا الممرّ يقع على امتداد الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن السلطات الإيرانية تقول إن التحكّم به من جانب آذربيجان، سيؤدّي إلى قطع التواصل الحدودي بينها وبين أرمينيا، الأمر الذي تعتبره الجمهورية الإسلامية «غير مقبول»، فيما يمكن فتح المسار المذكور الذي يحظى بدعم كلّ من تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، تسهيل عملية الربط البري بين آسيا وأوروبا من دون الحاجة إلى الترانزيت عبر إيران. وعلى الرغم من أن فيدان لم يشر إلى هذه القضيّة، في المؤتمر الصحافي، غير أنه قال، قبل نحو 40 يوماً خلال لقائه نظيره الآذربيجاني جيحون بايراموف، إن «إعادة فتح ممرّ زنغزور ستكون مفيدة للمنطقة برمّتها وليس لبلدٍ بعينه فقط».