تلعب مجموعة العشرين دوراً مكمّلاً لـ«مجموعة السبع»، وهو دور فعَلَ فعلَه في معالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية بين عامَي 2008 و 2009. وبالتالي لا يعود مستغرَباً تتصدّر جدول أعمال القمّة لهذا العام قضايا التغير المناخي، والعراقيل التي لا تزال تعترض مسيرة تعافي الاقتصاد العالمي، إضافة إلى مسألة المديونية العالية لعدد كبير من البلدان ذات الدخل المنخفض، والانعكاسات السلبية لحرب أوكرانيا على معدّلات التضخم عالمياً.وبالتزامن مع انتقادات خبراء اقتصاديين لغياب المعايير الواضحة في اعتماد العضوية في المجموعة، ما سمح لبلدان كالأرجنتين التي وقعت تاريخياً في أزمات اقتصادية حادّة بالحصول على العضوية، فيما حجَبها عن أخرى ذات أداء اقتصادي أفضل نسبياً كنيجيريا، تطرح الهند نفسها كـ«منبر مهمَّشي بلدان الجنوب العالمي»، لمعالجة ذلك الجانب من المظالم التاريخية، عبر تحسين تمثيل تلك الدول في المنظمات الدولية المهيمَن عليها غربياً، كـ«الأمم المتحدة» و«صندوق النقد الدولي».
وبالمقارنة مع «لحظة التأسيس»، والتي عكست توجّهاً عالمياً أعمق نحو حرية التجارة وترسيخ العولمة الاقتصادية، وأنعشت الآمال بخبوء عصر «صراع الكبار» لصالح صفحة جديدة قوامها التعاون في ما بينهم، يبدو الواقع الراهن للمجموعة غير قابل للعزل عن التوترات السياسية والعسكرية الدولية المستجدّة، بدءاً من عودة الكباش التجاري والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، مروراً بالمواجهة الدائرة بين روسيا والغرب، وليس انتهاءً بانتعاش التوجّهات القومية على حساب التوجّهات الأممية، والتي من تجلياتها اختلاف الاستراتيجية الصناعية لكلّ من الأميركيين والأوروبيين. ولعلّ هذا الواقع يوجزه مدير «برنامج النظام العالمي والمنظمات الدولية» في «مركز كارنيغي لبحوث السلام الدولي»، ستيوارت باتريك، بالقول إن «هناك الكثير من الاستياء (العالمي) بفعل العولمة المتطرفة، والمفرطة، وكذلك التوسع المبالغ فيه على صعيد التجارة المفتوحة وتحرير رؤوس الأموال». ويضيف متسائلاً: «في وقت يتصدّع فيه الاقتصاد العالمي، وتسعى البلدان إلى تحقيق مصالحها الخاصة، فإن السؤال المطروح هو: ماذا تفعل عندما تكون في خضمّ وضع دولي معين، لا يزال يتبع قواعد وينخرط ضمن مؤسسات تمّ إنشاؤها في ظروف وبيئة (سياسية واقتصادية) مختلفة؟».
إزاء ذلك، يتساءل خبراء اقتصاديون عن جدوى بقاء «مجموعة العشرين» بصيغتها الحالية، بعدما باتت أقلّ فاعلية، لا بل يذهب بعضهم إلى أنه أصبح لزاماً إلغاؤها، والتفكير في إنشاء كيان بديل منها. ويبني هؤلاء وجهة نظرهم على الخلافات التي باتت تعصف بالمجموعة، والتي يجلّيها اليوم غياب الرئيسين الصيني والروسي عن القمّة، مشدّدين على الحاجة إلى قيام نظام عالمي جديد وتحديث المؤسسات الدولية القائمة. وفي هذا الإطار، يعتقد الباحثان المخضرمان في السياسة الخارجية، داني رودريك، وستيفن والت، أن «النهج الدولي الراهن، المدفوع بصورة جوهرية من جانب الغرب، لم يَعُد كافياً لمعالجة واستيعاب مختلف العناصر والعوامل التي باتت تحكم علاقات القوة على الصعيد العالمي راهناً». ويرى الباحثان أن الخصائص الغربية في النظام العالمي الجديد «ستكون أقلّ بروزاً، حيث سيتعيّن منح كلّ دولة فسحة أكبر في إدارة اقتصادها ومجتمعها ونظامها السياسي»، في إشارة إلى حجم الإحباط لدى شعوب من العالم من حصيلة نحو ثمانية عقود من الهيمنة الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي الاتجاه نفسه، يعرب الباحث في العلاقات الدولية، روبرت وايد، عن حماسته لما يسمّيه «إعادة هيكلة مجموعة العشرين»، بصورة مشابهة لهيكلة «مجلس الأمن الدولي»، بحيث تضمّ مجموعة أساسية من القوى الاقتصادية الكبرى دائمة العضوية في التكتل، إلى جانب فتح باب العضوية أمام مجموعة متناوبة من الدول، ذات الاقتصادات الأصغر حجماً، فيما يرى ستيوارت باتريك أن «G20» يمكن أن تلعب دوراً رائداً في نظام «ما بعد الليبرالية الجديدة»، من خلال إفساح المجال أمام أعضائها لمناقشة سبل تفادي الانغماس في نموذج «اقتصاد السوق الحر» الذي بُنيت المنظمة لحمايته، معتبراً أن «منبر المجموعة هو المكان الطبيعي للبدء في تحديد قواعد التعايش السلمي التي تسمح للدول بالمشاركة في إقرار جدول أعمال إيجابي، والسير نحو عولمة أكثر اعتدالاً».