طهران | يبدأ مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" اجتماعه الدوري ابتداءً من اليوم الإثنين، في مقرّ الوكالة في فيينا، على أن يكون البرنامج النووي الإيراني في خضمّ مناقشاته؛ إذ تشير المعطيات المتوفّرة إلى أن الملفّ الإيراني لا يزال مفتوحاً لدى هذه الهيئة، وأنه لم تجرِ، إلى الآن، تسوية الخلافات العالقة بين الطرفَين، بما في ذلك تركيب كاميرات المراقبة الخاصة بما بعد اتفاقات الضمانات، وكذلك المواقع الإيرانية غير المعلنة. ومع ذلك، أبدت طهران حسن نيّتها من خلال اتّخاذ مجموعة خطوات قضت بخفض مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وكذلك خفض سرعة إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب.ومع اتّجاه العلاقات بين الوكالة الدولية وإيران، منذ نحو عامَين، نحو التدهور، بفعل تبنّي الأولى ثلاثة قرارات ضدّ الجمهورية الإسلامية، دفع تفاقم الخلافات واحتمال إحالة الملفّ الإيراني على مجلس الأمن، بسلطات هذا البلد إلى اتّخاذ قرار، قبل نحو ستة أشهر، قضى برفع وتيرة التعاون مع الهيئة، والتحرّك في اتّجاه نَيْل رضاها. ومثّلت الزيارة التي قام بها المدير العام لـ"الذرية"، رافايل غروسي، إلى طهران، قبيل التئام الاجتماع الدوري للوكالة لشهر آذار الماضي، واتّفاق الطرفين على اختطاط "خارطة طريق" لوضع نهاية للخلافات بينهما، منعطفاً في هذا السياق، ما أسهم في انعقاد اجتماعَي آذار وحزيران الماضيَين، في أجواء سادها الهدوء، بالمقارنة مع الاجتماعات السابقة، علماً أن مسار تنفيذ خارطة الطريق لم يحظَ برضا الوكالة الدولية، ومع ذلك تمّت تسوية بعض الخلافات.
وبشكل عام، يمكن تقسيم الخلافات بين "وكالة الطاقة" وإيران إلى مستويَين اثنين: الأول، التعاون في مجال اتفاقات الضمانات، والثاني التعاون في مجال ما بعد اتفاقات الضمانات. وفي ما يخصّ المستوى الأول ومعايير الأمان، يمثّل العثور على جزيئات اليورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة، أهمّ ملفّ محلّ خلاف. أمّا الخلافات في شأن ما بعد اتفاقات الضمانات، فتعود إلى قرار طهران الحدّ من التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، من مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.5% المسموح به بموجب الاتفاق إلى نحو 60%، والتوقّف عن تنفيذ البرتوكول الإضافي (عمليات الرقابة المتعلّقة باتفاقات الضمانات) بما في ذلك إغلاق العديد من كاميرات المراقبة.
ومن النجاحات التي تحقَّقت على طريق تسوية الخلافات بين الطرفَين في الفترة الزمنية الفاصلة بين اجتماعَي آذار وحزيران، يمكن الإشارة إلى طيّ ملفّ آثار اليورانيوم المخصّب بنسبة 83.7% في موقع "فوردو"، وإغلاق ملفّ موقع "مريوان" بوصفه أحد المواقع الإيرانية الثلاثة غير المعلنة، وتركيب أجهزة المراقبة الخاصة بما بعد اتفاقات الضمانات في أحد مواقع إنتاج مكوّنات أجهزة الطرد المركزي وكذلك في موقعين لتخصيب اليورانيوم (فوردو ونطنز). أمّا في الفترة الزمنية الفاصلة بين اجتماعَي حزيران وأيلول، فيتبيّن، وفقاً لِما رشح عن تقرير الوكالة الدولية عشیة انعقاد اجتماع مجلس المحافظين، أن تطوّرات مهمّة قد حدثت، وفي مقدّمها انخفاض مخزون اليورانيوم المخصّب في إيران. وبحسب ما جاء فی التقریر، بلغ هذا المخزون 3795.5 كيلوغراماً حتى 19 آب، ما يشير إلى تراجع قدْره 929 كيلوغراماً مقارنة بشهر أيار. ومع ذلك، فإن هذه الكمية من المخزون تزيد بـ18 مرّة عن المستوى المسموح به في اتفاق عام 2015.
اتّبعت إيران بدرايةٍ وعلم تامَّين، نهجاً ثنائياً ومزدوجاً مع الوكالة


وعلى الرغم من أن كميّة المخزون الإجمالي لليورانيوم المخصّب في إيران قد تقلّصت مقارنة بالشهر السابق، بيدَ أن مخزون اليورانيوم المخصّب بدرجة نقاء 60%، ما زال في حالة تنامٍ؛ بحيث بلغ 121.6 كيلوغراماً في شهر آب، بعدما كان 114.1 كيلوغراماً في أيار. لكنّ النقطة المهمّة تتمثّل في أنه، وعلى رغم تنامي مخزون اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، غير أن وتيرة وسرعة تناميه قد انحسرتا، بحيث تذهب المصادر المطّلعة إلى القول إن إيران قلّصت إنتاج 9 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% شهرياً، إلى 3 كيلوغرامات. كما تمتلك الجمهورية الإسلامية 535.8 کیلوغراماً من اليورانیوم المخصّب بنسبة 20%، إذ كانت هذه الكميّة 470.9 کیلوغراماً في تقرير شهر أيار. لذلك، فإن ما تسبّب في تراجع إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب مقارنةً بالشهر الماضي، هو خفض مخزون اليورانيوم المخصّب بدرجات متدنية.
وفي الوقت ذاته، أعربت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، في أحدث تقرير لها، عن أسفها لعدم تعاون إيران، ولا سيما في مجال تركيب كاميرات المراقبة. كما أشارت الوكالة إلى "عدم إحراز تقدُّم" في قضيّة جزيئات اليورانيوم في موقعَي "تورقوز أباد" و"ورامين" غير المعلنَين.
لذلك، يمكن القول إنه في ما يخصّ ملفَّي المواقع الإيرانية غير المعلنة (اتفاقات الضمانات) وكذلك تركيب كاميرات المراقبة (ما بعد اتفاقات الضمانات)، لم يحصل تقدُّم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد التقدُّم الذي تحقّق في الفترة الكائنة ما بين آذار وحزيران الماضيين. بيد أن تطوّراً لافتاً حصل في مجال خفض مخزون اليورانيوم المخصّب في إيران، وكذلك خفض سرعة إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%. من هنا، يبدو أن التقرير الجديد للوكالة الدولية حول إيران ينطوي على نقاط سلبية وإيجابية في آن. والمكسب الإيجابي لهذا الوضع بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، يتمثّل في تراجع حدّة لهجة الوكالة والسيطرة على الخلافات مع الأخيرة وعدم إحالة الملفّ الإيراني على مجلس الأمن الدولي، غير أن النتيجة السلبية للتقرير تكمن في عدم تسوية خلافات إيران مع الوكالة، وبقاء الملفّ الإيراني مفتوحاً لدى الأخيرة.
وقد اتّبعت إيران بدرايةٍ وعلم تامَّين، نهجاً ثنائياً ومزدوجاً مع الوكالة؛ بحيث سعت جاهدة، من خلال تكثيف التعاون، لتهدئة الأجواء المتوتّرة السابقة مع هذه المؤسّسة، والحيلولة دون تصاعد الأزمة. وفي الوقت ذاته، فهي لا تريد تسوية جميع خلافاتها معها من دون الحصول على مكسب سياسي، ساعية إلى الإبقاء على بعض القضايا الخلافية لاستثمارها كورقة رابحة في المحادثات السياسية. ويبدو أن إيران ستواصل هذه السياسة مع الوكالة الدولية، خاصة أن التعاون بينهما قد تحسّن في غضون الأشهر الستة الماضية مقارنةً بالسابق، فضلاً عن بدء محادثات بين طهران وواشنطن بهدف احتواء التصعيد والتوصّل إلى اتفاقات محدودة. وخلال هذه الفترة، تمّ الاتفاق على إخلاء سبيل سجناء من مزدوجي الجنسية، وتحرير جزء من الأرصدة الإيرانية المحتجزة، وتزايد مبيعات النفط الإيراني، إلى جانب خفض سرعة البرنامج النووي الإيراني، وكذلك انحسار بعض التوتّرات في المنطقة، إذ يمكن وضع هذه التطوّرات في إطار المسار الدبلوماسي الذي تتوسّط فيه سلطنة عُمان.
على أيّ حال، لا يعني ما تقدَّم انتهاء الخلافات بين إيران وأميركا، بل إن التوتّر بين البلدَين لا يزال قائماً على قدم وساق، وعلى أكثر من مستوى. لكن الهدف ممّا حدث، "احتواء التصعيد"، وهو وضع يمكن أن يكون مؤقتاً وغير مستقر، ولا سيما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب، ونتائجها يمكن أن تغيّر الكثير من المعادلات. وبما أن المحادثات لا تزال جارية، فمن غير المرجّح أن يستصدر أعضاء مجلس محافظي الوكالة، قراراً ضدّ إيران، بل سيطلبون منها على الأغلب أن تتعاون. وإذا وعدت بالتعاون، فمن الممكن ألّا يصدروا بياناً حتى.