طهران | في الـتاسع عشر من أيلول الجاري (أول من أمس)، انتهت المهلة الزمنية المُحدّدة بستة أشهر لتنفيذ الاتفاق الأمني المُبرم بين إيران والعراق، والقاضي بنزع سلاح الميليشيات الكردية - الإيرانية المعارضة، والمنتشرة على الشريط الحدودي بين البلدَين ونقْلها إلى مواقع بعيدة من الحدود، وذلك بوضع البنود الرئيسية لهذا الاتفاق موضع التنفيذ، في ما يمكن عدّه إنجازاً أمنيّاً مهمّاً بالنسبة إلى إيران. في هذا الإطار، أعلنت اللجنة العليا لتنفيذ الاتفاق الأمني المشترك بين الجانبَين، الثلاثاء، «إخلاء المقرّات التي كانت تشْغلها مجاميع المعارضة الإيرانية قرب الحدود بصورة نهائية»، و»نقْلها (المجاميع) إلى مكان بعيد من الحدود (بعد) نزع الأسلحة منها، تمهيداً لعدّ عناصرها لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين»، ونشْر قوات الحدود الاتحادية في تلك المناطق بصورة دائمة ورفْع العلم العراقي فيها. أعلن وزير الدفاع العراقي، ثابت محمد سعيد رضا العباسي، بدوره، حصْر وجود المعارضة الإيرانية - الكردية في خمسة معسكرات داخل بلاده.من جهته، قال «الحرس الثوري» الإيراني على لسان الناطق باسمه، رمضان شريف، أمس: إن «المنطقة بأكملها توصّلت اليوم إلى نتيجة مفادها بأنه يجب تدمير الجماعات الانفصالية في شمال العراق»، معرباً عن أمله في أن «تختفي جماعة كوملة الإجرامية، بعد 30 عاماً، بناءً على الاتفاق المبرم مع السلطات العراقية»، مضيفاً أنهم «سيُخرجون من هذه المنطقة، وإذا لم يفِ العراق بوعده، فسنُدمّر هؤلاء الإرهابيين بضرباتنا كما حدث من قبل». كانت السلطات الإيرانية قد أعلنت، أثناء الأيام الأخيرة، أن «هذه المهلة الزمنية لن تُمدّد، وإذا لم يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ، فإن إيران ستتّخذ الإجراءات اللازمة حفاظاً على أمنها»، وهو ما استحثّ السلطات العراقية، على ما يبدو، للعمل من أجل تنفيذ الاتفاق في موعده المقرّر، حتى لا يؤدّي خلاف ذلك إلى المساس بالعلاقات الثنائية بين البلدَين.
يمثّل الاتفاق إنجازاً أمنيّاً كبيراً لإيران في اتّجاه ترسيخ الواقع الأمني في المناطق الكردية - الإيرانية


ويُجاوِر إقليمُ كردستان العراق المحافظاتِ الكرديةَ - الإيرانية إلى الغرب من الجمهورية الإسلامية. منذ سنوات عديدة، تنتشر الأحزاب المسلّحة المعارضة، وأهمّها حزبا «كوملة» و»الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني» في مناطق قريبة من الحدود. لكنّ الاحتجاجات والاضطرابات، التي شهدتها إيران العام الماضي والتي شكّلت المناطقُ التي يقطنها الأكراد إحدى بؤرها الرئيسية، دفعت سلطات هذا البلد، وأكثر من أيّ وقت مضى، إلى التحرّك في اتّجاه التصدّي للأحزاب الكردية المسلّحة، التي تَعدّها «إرهابية» وتتّهمها بإرسال أفرادها المسلّحين من إقليم كردستان إلى داخل الأراضي الإيرانية بهدف «زعزعة الأمن والاستقرار» فيها، وهو ما تسبّب باستهداف إيران مقارّ هذه المجموعات في الإقليم العراقي. وكانت طهران قد حذّرت الحكومة المركزية في العراق وحكومة إقليم كردستان مراراً من أن هذا الوضع يتعارض مع مبدأ حُسن الجوار، وأنه «يجب اتّخاذ ما يلزم من إجراءات لاحتواء هذه المجموعات». يَظهر أن الضغوط أثمرت في خاتمة المطاف، إذ أَبرمت طهران وبغداد، في الـتاسع عشر من آذار الماضي، اتفاقاً أمنيّاً نصّ على نزع سلاح الميليشيات الكردية ونقْلها إلى مواقع بعيدة من الحدود الإيرانية، وتضمّن أيضاً الحدّ من تسلُّل عناصر هذه المجموعات إلى داخل الأراضي الإيرانية وتسليم الأشخاص المطلوبين إلى طهران.
مع انتهاء المهلة الزمنية المحدّدة بستة أشهر، أُعلن أنه نُزع سلاح هذه المجموعات ونُقلت إلى أماكن بعيدة من الحدود، ولكنّ مصادر مطّلعة تقول إنه لم يُنزع سلاحها بالكامل وإنها لا تزال تحتفظ بأسلحتها الخفيفة. مع ذلك، إن ابتعادها عن الحدود مع إيران وانتشار القوات العراقية هناك يعنيان أن قدراتها العملياتية والقتالية وإمكانية وصولها السهل إلى الأراضي الإيرانية ستواجه تحدّيات جادّة. لذلك، ليس من قبيل المبالغة القول إن هذا الاتفاق يمثّل إنجازاً أمنياً كبيراً لإيران في اتّجاه ترسيخ الواقع الأمني في المناطق الكردية - الإيرانية، علماً أنه لا يقتصر الصراع بين الحكومة المركزية الإيرانية والأحزاب الكردية المسلّحة ذات النزعة الانفصالية على عهد الجمهورية الإسلامية، إذ كانت الحكومة في عهد نظام الشاه في مواجهة مع تلك المجموعات.
في حين نُفّذت عملية احتواء الأحزاب الكردية - الإيرانية المسلّحة بالتعاون مع الحكومة العراقية، داهمت الشرطة الألبانية في حزيران الماضي قاعدةً لـ»منظمة مجاهدي خلق الإيرانية» في ألبانيا، التي تُعدّ أهمّ مجموعات المعارضة الإيرانية وأكثرها انسجاماً، بعدما نقلت مقرّها إلى ألبانيا عام 2013 إثر طردها من العراق، ويُقال إن هذا الهجوم نُفّذ بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية الإيرانية والألبانية، رغم عدم الإفصاح عن ذلك رسميّاً. أتى التطور العراقي - الإيراني بينما سُجّل يوم السبت الماضي، في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الشابة مهسا أميني التي شكّلت الشرارة التي أشعلت احتجاجات واضطرابات واسعة في إيران، صدور دعوات عديدة إلى الخروج في تظاهرات من دون أن تلقى استجابة.