طهران | بعد استيلائها على كامل إقليم ناغورنو قره باغ (جمهورية آرتساخ ذات الحكم الذاتي)، تتهيّأ آذربيجان، في ما يبدو، لتنفيذ المرحلة التالية من مشروعها المتمثّل في شقّ «ممرّ زنغيزور»، والذي تَعتبره إيران «خطّاً أحمر»، ويمكن، في حال المضيّ في إنشائه، أن يتسبّب بتصعيد جادّ بين طهران من جهة، وباكو وحليفتها أنقرة، من جهة ثانية. وبصفتها الجار الجنوبي لكلّ من آذربيجان وأرمينيا، أعطت إيران الحقّ دائماً للأولى في الصراع الدائر على قره باغ، كونها تَعتبر الإقليم جزءاً من الأراضي الآذربيجانية. غير أن ما تقدَّم لا يعكس القضيّة بأكملها؛ فإذا كانت إيران من داعمي موقف باكو لجهة إعادة ضمّ قره باغ، فهي تعارض بشدّة خطّة استحداث «ممرّ زنغيزور»، والذي سيمرّ عبر حدود إيران وأرمينيا، ليربط آذربيجان بجمهورية نخجوان ذات الحكم الذاتي، والتابعة لأراضي آذربيجان. وتمّت الإشارة في اتّفاق العاشر من تشرين الثاني 2020، الذي وُقّع بين باكو ويريفان في أعقاب حرب القوقاز الثانية، إلى إنشاء ممرّ للنقل بين آذربيجان ونخجوان، بيدَ أنه لم يجرِ تحديد المنطقة التي سيُشق فيها، ليتبيّن لاحقاً أنه سيمرّ في مقاطعة سيونيك الأرمينية، وفي المنطقة الحدودية بين أرمينيا وإيران، فاندلع على إثر ذلك النزاع بين طهران وباكو.وفي حال تمّ شقّ هذا الممرّ، كما هو مخطّط من جانب باكو وأنقرة، فلن تعود لإيران حدود مشتركة مع أرمينيا، في ما سيؤدّي إلى بروز تحدّيات ومشاكل لجهة ارتباط الجمهورية الإسلامية بمنطقة القوقاز وروسيا، وسيضع إيران في مواجهة ضائقة إستراتيجية، ما سيضطرّها للاعتماد أكثر من اللازم على تركيا للتواصل مع أوروبا، علماً أن باكو تحظى بدعم كامل من جانب أنقرة لإنشاء هذا الممرّ، لأنه سيربط الأخيرة مباشرةً بآذربيجان ومنطقة القوقاز، وما يعنيه ذلك من مكاسب إستراتيجية بالنسبة إليها. أمّا اللقاء الذي جمع الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، إلى نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في نخجوان، أول من أمس، أي بعد أيام قليلة على الحرب الآذربيجانية الخاطفة في قره باغ، اعتُبر، من وجهة العديد من المراقبين، «توطئة لاستحداث ممرّ زنغيزور»، وهو ما أثار قلقاً بالغاً في الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية.
وفي هذا الجانب، رأى القائد الأسبق للقوات البحرية التابعة لـ»الحرس الثوري»، حسين علائي، في مقالة نُشرت على موقع «جماران» الإخباري التحليلي، أن «آذربيجان وتركيا أصبحتا، في الوقت الراهن، في صدد احتلال مقاطعة سيونيك الأرمينية، واستخدام ممرّ زنغيزور لإدخال تغيير جيوسياسي على المنطقة والضغط على إيران. لذلك، فإن أجراس الخطر قد دُقّت بالنسبة إلى إيران أكثر من أيّ وقت مضى». ووفق علائي، «تسعى آذربيجان، مدعومةً من تركيا وإسرائيل، لقطع الطريق على إيران للوصول إلى أرمينيا وأوروبا، ووضْعها في مأزق جيوسياسي جديد»، معرباً عن أسفه بسبب «دعْم بلاده، باكو في حرب قره باغ من دون الحصول على الضمانات اللازمة في شأن إعادة المقاطعة إلى آذربيجان». وفي الإطار نفسه، اعتبرت صحيفة «إطلاعات» التي عُيّن مديرها من قِبَل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في مقال بعنوان «الخطة المُريعة التي تدبّرها آذربيجان وتركيا ضدّ إيران»، أن «هذَين البلدين، يريدان، من خلال طرْح ممر زنغيزور، ربْط شرق المنطقة بغربها من خلال هذا الممرّ، بحسب زعمهما، وبالتالي حرمان الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التواصل مع أرمينيا وممرّ الشمال - جنوب وأوروبا. وتزعم تركيا وآذربيجان أنهما ستنشئان هذا الممرّ من خلال احتلال أراضي جمهورية أرمينيا في حال معارضتها لهذه الخطّة».
تسعى آذربيجان، مدعومةً من تركيا وإسرائيل، لقطع الطريق على إيران للوصول إلى أرمينيا وأوروبا


وعلى مدى الأشهر الأخيرة، أجرت إيران مناورات عسكرية في مناطقها الحدودية مع آذربيجان وأرمينيا، وحذّرت من إدخال أيّ تغيير على حدودها الدولية مع أرمينيا، على اعتبار أن ذلك «أمر لا يقبل التغيير والتشويه». وحتى أن آية الله خامنئي، بوصفه أرفع مسؤول في الجمهورية الإسلامية، أوضح في هذا الخصوص: «إنْ كانت ثمّة سياسة تقوم على إغلاق حدود إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارضها؛ لأن هذه الحدود، هي طريق للتواصل عمره آلاف السنين». ومن جهته، قال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، أخيراً، إن «أيّ تغيير في جيوبوليتيك وحدود المنطقة، يمثّل خطّنا الأحمر».
وفي سياق آخر، أكّد الرئيس التركي، أمس، أن بلاده تبذل جهوداً كبيرة من أجل فتح «ممرّ زنغيزور» في أقرب وقت ممكن، معتبراً أن وصول إشارات إيجابية من إيران بخصوص فتح الممرّ، يُعدّ «أمراً مفرحاً». لهذا، يبدو أن المنطقة مقبلة على أيام وأسابيع مصيرية. وقد أبدت الحكومة الأرمينية، إلى الآن، معارضتها لاستحداث «ممرّ زنغيزور» وفقاً للنموذج الذي تطرحه باكو. ويقضي أحد السيناريوات بأن تقوم آذربيجان بعمل عسكري ضدّ أرمينيا، لكنّ السيناريو الآخر هو أن تعمل باكو، بدعم من أنقرة ومسايرة موسكو لها، على إقناع يريفان بشقّ هذا الممرّ. وفي هذه الحالة، ستصبح إيران في موقف لا تُحسد عليه، ليصبح السؤال المطروح: هل ستتّخذ الجمهورية الإسلامية إجراءً فعليّاً يحول دون تغيير الحدود أم لا؟