طهران | مثّلت عمليّة «طوفان الأقصى» المباغتة ضدّ الكيان الإسرائيلي والضربات الماحقة وغير المسبوقة التي أَلحقتها به، خبراً ساراً بالنسبة إلى إيران، لا سيما لجهة الإبطاء لمسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. وفي أول ردّ فعل على ما حدث، أعلن القائد الأسبق لـ«الحرس الثوري»، مستشار المرشد الأعلى الإيراني يحيى رحيم صفوي، دعْمه العمليّة، قائلاً: «(إنّنا) سنبقى إلى جانب المجاهدين الفلسطينيين حتى تحرير فلسطين والقدس». وفي إطار الردود أيضاً، وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، «طوفان الأقصى»، بـ«الحركة العفوية لمجموعات المقاومة والشعب الفلسطيني المظلوم للذود عن حقوقهم المسلَّم بها وغير القابلة للإنكار، وردّ الفعل الطبيعي على سياسات الصهاينة المثيرة للحرب والاستفزازية»، مضيفاً أنّ «هذه العمليّة فتحت صفحة جديدة في ميدان المقاومة والعمل المسلّح ضدّ المحتلّين والغزاة في الأرض المحتلّة».أمّا الناطق باسم الحكومة، علي بهادري جهرمي، فكتب، عبر حسابه في منصّة «إكس»، أنّ «الردّ القوي للشبّان الفلسطينيين في عمليّة طوفان الأقصى على الأعمال الإجرامية للنظام القاتل للأطفال، برهن أن الكيان الصهيوني هو اليوم أكثر هشاشة وانهزاماً من أيّ وقت مضى»، وأن «الشباب الفلسطينيين باتوا يمسكون بزمام المبادرة». ومن جهته، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، في بیان، أمس، إن «عمليّة طوفان الأقصى حوّلت كابوس انهيار الكيان الصهيوني إلى واقع بالنسبة إلى قادة هذا الكيان، وأثبتت أن بعض الجهود اليائسة، مثل العرض السخيف لعمليّة التطبيع، لن تتمكّن من إبطاء الانحدار لبيت العنكبوت هذا وانهياره».
وفي المناسبة أيضاً، أجرى الرئیس الإیراني، إبراهيم رئيسي، أمس، اتصالَين هاتفيَّين منفصلَين بكلّ من الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، اللذَين بحث معهما أحدث التطوّرات في الساحة الفلسطينية. وفي سياق متّصل، تجمّع أعضاء البرلمان الإيراني في مستهل الجلسة العلنية ليوم السبت، أمام منصة الهيئة الرئاسية للبرلمان وهم يردّدون شعارات من قبيل «الموت لإسرائيل»، و«الموت لأمريكا»، و«الموت لبريطانيا»، و«إسرائيل مهزومة وفانية وفلسطين هي المنتصرة». كذلك، التأم مساء السبت جمعٌ من الجماهير في ساحة فلسطين في وسط العاصمة الإيرانية، طهران، وردّدوا شعارات مناصرة لفلسطين، ووزّعوا الحلوى، وأطلقوا الألعاب النارية، في تعبير عن دعمهم للعمليّة. كما نصبت أمانة طهران لافتات ضخمة كُتب عليها «طوفان الأقصى» في مختلف مناطق العاصمة.
وفي هذا الوقت، بادرت الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، في الساعات الأولى لانطلاق «طوفان الأقصى»، إلى التذكير بتصريحات المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، والتي أدلى بها قبل أربعة أيام من العمليّة، وقال فيها إن «الكيان الغاصب إلى زوال»، وإن «الشبّان الفلسطينيين ونهضة فلسطين، هما اليوم أكثر جهوزية». ووجه المرشد، في لقاء جمعه إلى سفراء البلدان الإسلامية، الثلاثاء الماضي، انتقاداً لعمليات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، معتبراً أن «الدول التي تتّخذ من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قدوة وأسلوباً للعمل، إنها ترتكب خطأً وستتضرّر. الخسارة في انتظار هؤلاء، إنهم يراهنون على حصان خاسر»، في تصريحات أعيدَ استحضارها سريعاً بالنظر إلى ما يراه كثيرون من المراقبين في إيران، أن من أهمّ نتائج عمليّة «طوفان الأقصى»، إبطاء مسار التطبيع السعودي - الإسرائيلي.
وفي تعليقها على ما تقدَّم، كتبت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، أمس، في مقالة بعنوان «الحصان الخاسر على حافة هاوية جهنم»، أنه «بينما كان بنيامين نتنياهو وأصدقاؤه يعيشون، في الأيام الأخيرة، في أجواء تطبيع العلاقات مع العربية السعودية، وبُثّت أخبار عن قرب التوقيع على اتفاقات المساومة بين الطرفَين، قلبت المجموعات الفلسطينية ميدان اللعبة وحوّلته إلى ساحة للاشتباكات». ومن جهتها، تطرقت صحيفة «دنياي اقتصاد» إلى آثار العمليّة الأخيرة على مسار التطبيع، وكتبت: «بعد تبلور اتفاقات أبراهام، وتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل، كادت القضيّة الفلسطينية تصبح في طيّ النسيان، ولكنّ عمليّة طوفان الأقصى ستجعل القضيّة الفلسطينية تتصدّر مرّة أخرى الأخبار الدولية». ويرى بعض الخبراء أنه «مع اشتداد الحرب، قد تذهب عمليّة التطبيع بصورة مؤقتة إلى الهامش».
ومن ناحية أخرى، أشارت صحيفة «إيران» الرسمية، في مقالتها الافتتاحية ليوم أمس، بقلم رئيس تحريرها حسام الدين برومند، بعنوان: «صورة حقيقية عن كيان زائل!»، إلى الفشل الاستخباري للكيان الإسرائيلي في مواجهة عمليّات الفلسطينيين، مبيّنةً أن «هذا الهجوم المُزلزل والمُباغت نُفّذ في ظروف كان الصهاينة يزعمون فيها دوماً أنهم مسيطرون استخباريّاً على قطاع غزة، لكنهم استيقظوا، في صبيحة يوم السبت، على وقع دويّ الصواريخ. وعليه، فإن الكيان الصهيوني يكون قد مُني بهزيمة استخبارية نكراء، على أن تتجلّى وتتبدّى في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، تداعيات هذا الفشل الاستخباري الذريع أكثر فأكثر. إن أكبر كابوس يعاني منه الإسرائيليون في الوقت الراهن، هو ما هي الخطة المقبلة للمقاومة؟ وماذا سيحدث غداً، وفي الأيام المقبلة؟ وهل من المقرَّر أن نتكبّد مئات، بل آلاف القتلى والجرحى والأسرى؟ وكم عدد الصواريخ التي يجب أن نستقبلها؟ وعشرات التساؤلات الأخرى التي تقضّ مضجع الصهاينة؟».
وفي هذا السياق أيضاً، حذّر أحمد زيد أبادي، في صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية، من اندلاع «حرب شاملة» في المنطقة، ورأى أن «عمليّة طوفان الأقصى، ونتيجة العمليّة المتبادلة التي أَطلق عليها الإسرائيليون اسم السيوف الحديدية، قد تُدخِلان تغييرات غير مسبوقة على النظام في الشرق الأوسط. إن الظروف ليست مهيّأة أصلاً لاندلاع حرب شاملة يمكن أن تأتي على جزء كبير من الشرق الأوسط. وإنْ اشتعلت شرارة مثل هذه الحرب، فسيعقبها عدد من الكوارث».