نظّم «حزب العدالة والتنمية» مهرجاناً ضخماً في مدينة إسطنبول، دعماً لفلسطين، شارك فيه مئات الآلاف من الذين توافدوا إلى باحة «مطار أتاتورك» المتوقّف عن العمل منذ عام 2019، وحضره زعماء «تحالف الجمهور» الحاكم، ولا سيما زعماء كلٍّ من «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي، و»حزب الدعوة الحرّة» زكريا يابجي أوغلو، و»حزب الوحدة الكبير» مصطفى دستيجي، فيما لوحظ غياب زعيم «حزب الرفاه من جديد» فاتح نجم الدين أربكان، الذي اعتذر مسبقاً عن عدم الحضور، على خلفية استيائه من وقوف الحكومة «مكتوفة اليدين» تجاه المجازر التي ترتكب في غزة منذ اليوم الأول للعدوان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زعماء المعارضة، الذين لم يُدعَ أحد منهم أساساً للمشاركة في التجمّع. أيضاً، حضر المهرجان رئيس جمهورية شمال قبرص التركية أرسين تتار، فيما لوحظت مشاركة رئيس البرلمان الإماراتي، صقر غباش، الذي كان في زيارة لتركيا.وأمام مئات الآلاف الذين لوّحوا بالأعلام التركية والفلسطينية، خاطب إردوغان الحشد، قائلاً: «أنا أعلن اليوم إسرائيل مجرمة حرب، وسأشهّر بها في كلّ العالم»، بعدما استهلّ كلمته بالتذكير بأن غزة، كما فلسطين، كانت عثمانية، و»ليس من فارق بين غزة وأضنة. وإن غزة قدّمت وحدها 53 شهيداً في معارك تشانق قلعة (الدردنيل) في الحرب العالمية الأولى». ولفت إردوغان في سياق خطابه، الذي استمرّ ساعة، إلى أنه عندما قال إن «حماس» ليست منظّمة إرهابية «انزعجت إسرائيل جدّاً. نحن لا نلعن فقط مَن يرتكب المجازر في غزة، بل بذلك ندافع عن استقلالنا ومستقبلنا. وهو ما كان يفعله السلطان عبد الحميد». وتابع: «إنّكِ (إسرائيل) بلد محتلّ، وإنّك منظّمة... إنّنا من أجل غزة، نحن في تركيا في حالة تأهّب»، مكرّراً عبارته الشهيرة التي كان يتوّعد بها الأكراد في سوريا والعراق، وهي: «فجأةً ذات ليلة يمكن أن ندخل»، في ما فسّر باعتباره تحذيراً لإسرائيل، وتناولته الصحف في مانشيتاتها الرئيسة، إلى جانب عبارة: «نحن في تأهّب من أجل غزة».
وفي الموازاة، شنّ إردوغان حملةً عنيفة على الغرب الذي قال إنه «ذرف دموع التماسيح على القتلى في أوكرانيا، ولم يفتح فمه أمام مجازر قتل المدنيين في غزة»، متسائلاً عمّا إذا كان الغرب يريد بذلك أن «يحفر عميقاً من أجل حرب دينية بين المسيحيين والمسلمين؟»، لافتاً إلى أن «المسؤول الأول والأكبر عمّا يجري في غزة، هو الغرب الأميركي والأوروبي... إن مجازر غزة هي ثمرة هذا الغرب». وأضاف إردوغان: «الكلّ يعرف أن إسرائيل ليست سوى بيدق بيد الغرب. ولكن مؤامرات الغرب وفتنه لن تستمرّ إلى ما لا نهاية (...) الغرب ومعه إسرائيل هم وراء الإرهابيين في سوريا، مثل حزب العمال الكردستاني، ووراء جماعة فتح الله غولين». وبحسب الرئيس التركي، فإن «ذهنية الإبادة في غرف الغاز والقنابل النووية هي نفسها التي ترتكب المجازر في غزة... إنّكِ يا إسرائيل محكومة بالعزلة، وستبقين كذلك. وستدفعين ثمن المجازر باهظاً عاجلاً أو آجلاً».
شنّ إردوغان حملةً عنيفة على الغرب الذي قال إنه «ذرف دموع التماسيح على القتلى في أوكرانيا، ولم يفتح فمه أمام مجازر قتل المدنيين في غزة»


ولوحظ أن إردوغان لم يشر إلّا نادراً إلى حركة «حماس» بالاسم، بقوله إنها «منظمة غير إرهابية»، ولكنه لم يكرّر وصفه لها على أنها «حركة تحرّر». وفي ظلّ توقعات عالية بإجراءات معينة وملموسة من جانب إردوغان تجاه إسرائيل أو الغرب تتعلّق بالعلاقات الديبلوماسية والاقتصادية، أو بالقواعد الأميركية في تركيا، فإنه أنهى كلمته من دون أيّ إشارة إلى ما سبق، ما قد يكون أدّى إلى إحباط في الشارع التركي المؤيّد بغالبيته لفلسطين. وعلى الرغم من اللهجة التصعيدية للرئيس التركي ضدّ إسرائيل، إلّا أنه لم يحرق المراكب معها، بل دعاها إلى «الإصغاء للنداءات، وعمل الخير ولو لمرّة واحدة، ومساعدة المظلومين، وفتح أبواب الحوار من أجل إقامة السلام».
من جهته، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنامين نتنياهو، إلى الردّ على إردوغان من دون أن يسمّيه، واصفاً كلامه بأنه «ازدواجية»، مضيفاً: «لا تتّهمونا بأنّا نرتكب جريمة حرب. هذه ازدواجية. نحن الجيش الأكثر التزاماً بقواعد الأخلاق في العالم». وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، بدوره، أن توجيهات صدرت باستدعاء كل الديبلوماسيين الإسرائيليين الموجودين في تركيا، من أجل «إعادة تقييم العلاقات بين البلدَين». وردّت الخارجية التركية على ذلك بالقول إن مواقف المسؤولين الإسرائيليين الذين يتهمون إردوغان وتركيا بـ»معادية السامية مردودة على مَن أطلقها، وهي مجرّد افتراءات وتحقير». وأضافت، في بيان، إن «تحريف حقائق استهداف الأطفال والمدنيين بمجازر جماعية لن يوصل إسرائيل إلى أي نتيجة»، وأن «اتهام رئيس الجمهورية إردوغان بأنه معادٍ لليهودية والسامية هو مظهر من مظاهر عجز وفشل بعض المسؤولين الذين لا يتحمّلون النقد وإظهار الوقائع». وبحسب البيان، فإنه «بخلاف دول كثيرة تقدّم الدعم اليوم لإسرائيل من دون أيّ شرط، فإن سجلّ تركيا ناصع البياض. والجميع يعرف أن اليهود لم يجدوا ملجأً آمناً لهم من محاكم التفتيش في إسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر سوى في تركيا. وهي حقيقة يسلّم بها كلّ المؤرخين». وأوضح مصدر في الخارجية التركية، أيضاً، أن استدعاء الديبلوماسيين الإسرائيليين من تركيا جرى أصلاً في الـ 19 من تشرين الأول الجاري، ولأسباب أمنية، وأنهم غادروا البلاد منذ ذلك الحين.
كذلك، عمّت التظاهرات تركيا، وإحداها خرجت في طرابزون، حيث دعت إليها منظّمات يسارية، وطالب الخطباء فيها السلطات، إذا كانت صادقة في مواقفها، بإلغاء الاتفاقات العسكرية مع إسرائيل، وإغلاق القواعد الأميركية في «إينجيرلك» و»كوريجيك»، وإلّا فإنه لا يمكن القول إنها تدعم المقاومة في غزة.