بعبارات «تودّد ومجاملة» معتادة، مثل أنّ «كوكب الأرض كبير بما فيه الكفاية ليتّسع لقوّتين عُظميَيْن»، استقبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيره الصيني، شي جين بينغ، في جنوب سان فرنسيسكو في كاليفورنيا، على هامش «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ». وفي أول لقاء يجمعهما منذ أكثر من سنة، مهّدت له، في الأشهر الماضية، جملة من الزيارات الديبلوماسية، يبدو أن أهمّ «الخروقات» التي توصّل إليها الطرفان، شملت الاتفاق على استعادة التواصل الرفيع المستوى في المجال العسكري، والتقليل من صناعة الفنتانيل. وبطبيعة الحال، لم يكن بايدن ليفوّت فرصة لقاء شي، من دون أن يستكمل جهوده الرامية إلى منع توسّع الحرب الدائرة في قطاع غزة، إذ دعا الرئيس الصيني إلى استغلال علاقته مع إيران، لحثّ الأخيرة على عدم «القيام بأيّ تصعيد في المنطقة». وطوال اللقاء الذي امتدّ لساعات، بدا بايدن وسائر أعضاء إدارته كمن «يحسبون» كلّ خطوة وموقف، لضمان أنّ القمة التي طال انتظارها، وإن لم تسفر عن خروقات كبيرة، فهي على الأقلّ لن تثير أيّ تحفّظات من جانب بكين، وستبقي العلاقات على «السكّة الصحيحة» بعد سنوات من الانحدار الذي شهدته هذه الأخيرة، في وقت «لا تنقص» فيه واشنطن، المُنشغلة بحربَين، في الشرق الأوسط وأوروبا، أيّ مواجهات جديدة، ولا سيما مع الدولة التي تمثّل، على حدّ تعبير صنّاع السياسة الأميركيين، «أكبر تحدّ جيوسياسي لها».هكذا، بدت الزيارة كأنها تسير وفقاً لـ«سيناريو ديبلوماسي» مجهّز مسبقاً، طبعاً باستثناء وصف بايدن لشي بـ«الديكتاتور»، مرة جديدة، لدى سؤال الصحافيين إياه عمّا إذا كان لا يزال يعتقد بأن هذه الصفة تنطبق على نظيره الصيني، فور انتهاء ساعات من المحادثات التي وُصفت بـ«البنّاءة»، ليردّ بايدن بالقول: «أعتقد أنه كذلك، نظراً إلى أنّه على رأس دولة شيوعية نظام حكمها لا يشبه نظام حكمنا». وتفاعل وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الذي كان حاضراً بين المستمعين، مع هذه الإجابة بعدم رضى واضح، كما لو أنّ رئيس دولته ارتكب، عبر ارتجاله غير الموفّق، هفوةً، بعدما كان تصريح مماثل في حزيران الماضي قد أثار ردّة فعل غاضبة وقاسية من جانب بكّين. كما أن تصريح بايدن، الذي نال ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الأميركية، جاء رغم أنّ شي أخبر نظيره الأميركي بأنه يعتقد أنّ هناك «دعاية سلبية غير عادلة» عن «الحزب الشيوعي الصيني» في الولايات المتحدة، وفي وقت تؤكّد فيه بكّين، في كلّ محطّة، رفضها خطاب «التنمّر» الذين تنتهجه بعض الدول الغربية ضدّها. والظاهر أنّ ما فعله بايدن سيجبر بلينكن وغيره من مسؤولي الإدارة الأميركية، مرّة جديدة، على إيجاد «مخرج» لتبرير التصريحات الأخيرة، على غرار ما حدث في غير موقف بعد «زلّات لسان» ساكن البيت الأبيض الكثيرة.
بدت الزيارة كأنها تسير وفقاً لـ«سيناريو ديبلوماسي» مجهّز مسبقاً، طبعاً باستثناء وصف بايدن لشي بـ«الديكتاتور»


على أنّ إجابة بايدن عن السؤال في المؤتمر الصحافي تعكس على الأرجح الهوّة التي لا تزال حاضرة وبقوّة بين البلدَين في عدد من المجالات. وتايوان تقع على رأس هذه اللائحة، إذ ازدادت في المدة الماضية التوتّرات حولها، في أعقاب مناورات عسكرية أجرتها الصين حول الجزيرة، كما في بحر الصين الجنوبي، تشديداً على ضرورة عدم تدخّل أيّ دولة خارجية، ولا سيما الولايات المتّحدة، في القضايا التي تعتبرها الصين «شأناً داخلياً محضاً». وحول هذا الملفّ، قالت مصادر مطّلعة على الاجتماع إنه لدى تأكيد بايدن مرّة جديدة أنّ موقف واشنطن هو «الحفاظ على السلام والاستقرار» في منطقة الهندي - الهادئ، ردّ شي بالقول: «انظر، السلام جيد وما إلى هنالك، ولكن نحتاج إلى التحرّك نحو حلّ شامل»، مشيراً إلى أنّ الصين لا تزال تعتبر أنّ «إعادة التوحيد السلمي» للجزيرة هي الحلّ الأنسب. وإلى جانب تايوان، لا يزال التعاون الروسي - الصيني يؤرّق الغرب، ولا سيما أنّ بعض المراقبين أصبحوا يعتبرون أنّ أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت أوكرانيا تصل إلى طريق مسدود وتفشل في «استرجاع أراضيها» من روسيا، هو المساعدة التي قدّمتها بكّين إلى موسكو منذ بداية الحرب في أكثر من مجال.
وفضلاً عن استئناف المحادثات على المستوى العسكري ومكافحة المخدّرات، فقد اتّفق الجانبان على بحث مخاطر الذكاء الاصطناعي، وزيادة الرحلات الجوية «بشكل كبير» بين البلدَين العام المقبل، وتوسيع التبادلات في مجالات مثل التعليم والأعمال والثقافة. كما نوقِشت قضايا أخرى، كتغيّر المناخ والترسانة النووية الصينية على نحو مقتضب نسبيّاً. على أن هذا اللقاء ليس الأول من نوعه الذي يجمع بين الرئيسَين في مثل هذه «الأجواء الودية»، قبل أن تعود العلاقات لتتدهور لاحقاً، على غرار ما حدث في أعقاب لقائهما العام الماضي على هامش قمة «مجموعة العشرين» في بالي، ما يجعل مستقبل الأواصر مرّة أخرى رهن الوقت، ومدى قدرة واشنطن على الامتناع عن ارتكاب «هفوات جديدة»، أو أيّ استفزازت مستقبلية لبكّين، ولا سيما في الملفات التي تصنّفها الأخيرة على أنّها أولوية، وتؤكد أن المساس بها يعدّ «تجاوزاً للخطوط الحمراء الصينية».