وفي الإطار نفسه، يرى مراقبون أن البيت الأبيض ومجلس الشيوخ «وقعا في فخّ» الجمهوريين المتطرّفين في مجلس النواب، والذين كانوا يتعمّدون، منذ اللحظة الأولى، «قتل» أيّ فرصة لإرسال المزيد من المساعدات، عبر ربط الأخيرة بإيجاد حلّ لأزمة الهجرة عبر الحدود المكسيكية - الأميركية. واستشهدت الصحيفة بـ«الإشارات المتضاربة» التي بعث بها رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، المقرّب من الرئيس السابق، دونالد ترامب، في أعقاب الاجتماع؛ ففيما حاول جونسون الإيحاء بأنّ المباحثات كانت «مثمرة»، مشيراً إلى أنه تم التوصّل إلى بعض «الإجماع» حول اتفاق ما، فقد عاد وأكد، بعد ساعات فقط، في لقاء على قناة «فوكس نيوز»، أنّه «يتشاور مع ترامب من كثب» حول ذلك الملفّ، علماً أنّ الأخير يقود «حملة نشطة» لمنع أيّ «تنازل» من الجمهوريين في هذا المجال. وفي مكالمة مسرّبة مع بعض أعضاء الحزب الجمهوري، حصلت عليها «واشنطن بوست»، ذهب جونسون في موقفه أبعد ممّا تقدّم، مؤكداً أنّه لن يقبل بتمرير أيّ صفقة في «الشيوخ»، وأنه لا يعتقد أنّه سيتم حلّ قضية الحدود، قبل أن يصل رئيس جمهوريّ إلى البيت الأبيض.
احتمال تمرير أيّ مساعدات إضافية لأوكرانيا أصبح شبه معدوم تقريباً
ومن جهتم، يرى كثيرون أنه ليس لدى جونسون، حالياً، «أيّ خطّة فعلية أو حافز سياسي» لتقديم تنازلات حول أيّ من الملفَين المشار إليهما، ما يؤجّج «الفوضى التشريعية» في الكونغرس، ويجعل إرسال أيّ تمويل إلى أوكرانيا مهمّة شبه مستعصية. على أنّ حجج الجمهوريين الرافضين للتمويل غير محصورة فقط بأزمة الحدود، بل هم يطرحون على بايدن، الذي يدفع في اتّجاه تمرير حزمة مساعدات جديدة بقيمة 60 مليار دولار، جملة من الأسئلة، تتمحور حول طريقة إدارة الأموال الأميركية التي تم إرسالها بالفعل إلى أوكرانيا، ومساهمات حلفاء كييف الآخرين في جهود التمويل هذه، بالإضافة إلى خطّة الأوكرانيين لـ«تحقيق النصر»، بعد فشل «الهجوم المضاد».
وعلى ما يبدو، فإنّ «الجمود» الأميركي في ما يتعلّق بملفّ المساعدات، أصبح يدقّ ناقوس الخطر بشكل متزايد في العواصم الأوروبية. وفي هذا السياق، أورد موقع «بوليتيكو» الأميركي أن مجموعة من البرلمانيّين الأوروبيّين أمضوا، الشهر الحالي، أسبوعاً كاملاً في واشنطن من أجل «حشد المزيد من الدعم لأوكرانيا»، ولكنهم خرجوا بخلاصات «محبطة» في أعقاب لقاءاتهم مع صناع السياسة والمشرّعين الأميركيين، والتي جعلتهم يشكّكون في مدى التزام الولايات المتحدة بدورها في ضمان «أمن أوروبا». ووفقاً لمشرّعين من المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وليتوانيا وجمهورية التشيك، شاركوا في الجولة، فإنهم «سئموا» من التخبّط بين الإدارة الأميركية والكونغرس، في وقت لا تزال فيه القوات الروسية تسيطر على مساحة كبيرة من كييف. وأشار هؤلاء إلى أنّه «من المؤلم» إنفاق هذا الكمّ من الطاقة لإقناع «أميركا بأن تكون أميركا»، وأنهم لمسوا الكثير من «اللامبالاة» لدى المشرّعين الأميركيين، في ما يتعلق بتأخير إرسال المساعدات الأوكرانية لـ«أشهر» عدة. لكن ما تقدّم لا يعني أن الدول الأوروبية لا تشهد بدورها انقسامات حول إرسال المزيد من الأموال لكييف؛ فقد شكّكت كلّ من المجر وسلوفاكيا، أخيراً، في خطّة الاتحاد الأوروبي لتمويل حزمة مساعدات تزيد قيمتها على 50 مليار دولار، لدعم مجهود زيلينسكي الحربي.
بكين لا تستجيب
وفي مؤشر إلى مدى الإحباط الذي وصل إليه صناع السياسة في كييف، أورد «بوليتيكو»، في تقرير منفصل، أن «التمنّع» الصيني عن عقد لقاءات مع المسؤولين الأوكرانيين، بناء على طلب منهم، وجّه، هذا الشهر، «ضربة» جديدة إلى أوكرانيا. وفي التفاصيل، يذكر الموقع أن عقد لقاء مع الوفد الصيني الذي سافر إلى سويسرا، لحضور «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، كان من شأنه أن يمثّل فرصة كبيرة للمسؤولين الأوكرانيين، الذين يكثّفون مساعيهم لدفع بكين نحو تأدية دور أكبر في «محادثات السلام»، بعدما أعلنت سويسرا، في وقت سابق، نيّتها استضافة مؤتمر دولي من أجل التوصّل إلى «حل سلمي للنزاع في أوكرانيا». إلا أنّه ورغم تأكيد أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني، أنه «من الضروري أن تشارك الصين» في هذا الجهد، وحديث زيلينسكي عن أنّ الفرصة ستكون سانحة لـ«الدردشة» مع رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في سويسرا، فإنّ أيّاً منهما لم ينجح في تأمين لقاء مع المسؤولين الصينيين. وطبقاً لـ«بوليتيكو»، فقد بدا قرار الصين بعدم الاجتماع مع الأوكرانيين «متعمّداً»، ولا علاقة له بأيّ مشكلات «في الجدول الزمني»، فيما قال مسؤول أميركي كبير إن بكين رفضت طلب كييف عقد اجتماع، في موقف مردّه إصرارها على الاستمرار في دعم موسكو، وعدم إزعاجها بمثل هذه اللقاءات.