في حكم قضائي هو الثالث من نوعه منذ تنحيته عن رئاسة الحكومة، وضمن معركة مع زعيم حركة «إنصاف»، عمران خان، لا تتورّع فيها السلطات السياسية والعسكرية في إسلام أباد عن إشهار «سيف القضاء»، وتوجيه أكثر من مئة تهمة إلى الرجل، أصدرت «محكمة مكافحة الفساد» الباكستانية حكماً بالسجن 14 عاماً على رئيس الحكومة السابق وزوجته بشرى بيبي، في قضية تتعلّق بمزاعم قيامهما ببيع 108 هدايا كانا قد تلقّياها من قادة أجانب، من بينهم وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال فترة وجود خان في السلطة. وتضمّن الحكم، الذي جاء بعد يوم واحد من صدور آخر قضى بسجن كل من: خان، ووزير خارجيته شاه محمود قرشي لمدة 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، ومنع زعيم «إنصاف» وزوجته من شغل أيّ منصب عام لمدّة 10 سنوات، وفرض غرامة مالية بقيمة 787 مليون روبية (2.8 مليون دولار) على كلّ منهما.وفي ردود الفعل، انتقد محامي خان الحكم ضدّ موكله، المحتجز في سجن أديالا في مدينة روالبندي، منذ آب الماضي - على رغم قرار «المحكمة العليا» الإفراج عنه -، بحجة ظهور أدلّة تدينه في عدد من القضايا، وبخاصّة قضية نشر وثيقة لمراسلات ديبلوماسية بين السفير الأميركي والجيش، كان قد لوّح بها خان خلال إحدى التظاهرات المؤيّدة له، باعتبارها دليلاً على أن إطاحته جاءت نتيجة «مؤامرة أميركية مدعومة من الجيش الباكستاني». وأكد فريق الدفاع عن خان أنه سيطعن في قرار المحكمة، وذلك خلال جلسة استماع عقدت في سجن أديالا، في غياب محامي خان، بعد رفض القاضي الاستماع إلى إفادات الشهود في قضية بيع الهدايا المعروفة باسم «توشاخانا»، مشدّداً على أن الحكم «غير قانوني». وفي تعليقها على الحكم، أكدت «حركة إنصاف»، في بيان، أن خان وبيبي واجها «محاكمة استعراضية كنغرية أخرى، بحيث لم يُمنح فيها أيّ منهما الحقّ في الدفاع»، لافتةً إلى أن ما صدر عن القضاء الباكستاني خلال يومين «يقضي بشكل تام على كل قانون قائم في البلاد».

«يد الجيش أقوى»
وفي ما يتّصل بدلالات القرار القضائي بحقّ خان، الذي وَصف إجراءات المحاكمة ضدّه بـ»الصورية»، يتوقّف مراقبون عند توقيت إدانة زعيم «حركة إنصاف»، قبل نحو أسبوع من موعد الانتخابات العامة، ولا سيما أن خان كثّف خلال ما يقرب من عامين من انتقاداته لحكومة شهباز شريف، والمؤسسة العسكرية الداعمة لها، على وقع أزمة اقتصادية خانقة ووضع أمني هش، ما أكسبه شعبية وحضوراً سياسياً وازنَين.
من جهتها، عرّجت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، على ما واجهه قادة ومناصرو «حركة إنصاف» من مضايقات وحملات ترهيب أمنية وقضائية، خلال الأشهر القليلة الماضية، بعدما جرى سجن العديد منهم، وإجبار آخرين، بضغوط من الجيش، على تقديم استقالاتهم من الحركة، فضلاً عن منعهم من تنظيم الحملات الانتخابية أو عقد تجمّعات سياسية في مختلف أنحاء البلاد، موضحةً أن كل تلك التدابير، معطوفةً على الحكم القضائي الأخير الصادر بحقّ نجم الكريكيت السابق، وكذلك حظر شعار الحركة، المتمثّل بمضرب الكريكيت، والذي يُعدّ عاملاً مساعداً لمرشّحي «إنصاف» في التعريف عن أنفسهم خلال الانتخابات المرتقبة بعد أيام، في بلد ترتفع فيه معدّلات الأمية، «تفاقم من محنة» رئيس الحكومة الباكستانية السابق.
لا يمكن التكهّن بمآلات السباق الانتخابي، ولا سيما لناحية توقّع إلحاق الهزيمة بـ«حركة إنصاف»


وفي هذا الإطار، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الحكم الصادر بحقّ خان يشكّل «جزءاً من حملة (سياسية) يقودها الجيش لتهميش الحزب الذي يتزعّمه خان، وتمهيد الطريق أمام فوز حزب الرابطة الإسلامية في باكستان»، بزعامة نواز شريف، رئيس الحكومة الأسبق، وشقيق رئيس الوزراء الحالي شهباز، باعتباره الحزب المفضّل لدى الجيش. وترجّح الصحيفة الأميركية نجاح حكومة شريف في الحفاظ على قاعدة شعبية واسعة النطاق مؤيّدة لها في جميع أنحاء البلاد، بعد تمكّنها من إقصاء الكثير من خصومها السياسيين، مبيّنة أنّ «يد الجيش في تشكيل المشهد السياسي أصبحت أقوى، فيما بدأ نطاق تدخّله يبدو أكثر وضوحاً من أيّ وقت مضى». وللدلالة على ذلك، تؤكد أستاذة العلوم السياسية في «جامعة لاهور للعلوم الإدارية»، أسماء فايز، أن قرار القضاء الباكستاني ضدّ خان «يبعث برسالة إلى حركة (إنصاف)، ومناصريها، مفادها بأنّ عليهم ألا يتوقّعوا أيّ تأجيل»، في إشارة إلى عدم نية حكومة شريف تأجيل موعد الانتخابات، بعدما تيقّنت من إقصاء خان عن الاستحقاق الانتخابي.

الاستياء الشعبي: ورقة خان الرابحة؟
في المقابل، يعتقد محلّلون متابعون للشأن الباكستاني أن من الصعب التكهّن بمآلات السباق الانتخابي في الثامن من شباط الجاري، ولا سيما لناحية التوقّع بإلحاق الحزب الحاكم هزيمة منكرة بخصومه، وتحديداً «حركة إنصاف»، وذلك انطلاقاً ممّا أثاره تدخّل المؤسسة العسكرية المفرط في السياسة، في موازاة زيادة مستويات الإحباط من الواقع الاقتصادي المتفاقم، من ردود فعل شعبية ناقمة على نحو غير مألوف. ويتوقّف هؤلاء عند ما تلاقيه مقاطع الفيديو، والتي تُظهر قمع العسكر لمحازبي ومناصري «إنصاف»، من رواج عبر كل مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها مؤشراً إلى مدى تصاعد الشعور بالخيبة في أوساط الشباب من النخبة الحاكمة، وأركان النظام السياسي الباكستاني، وهو ما يتّسق ضمنياً مع خطاب خان الذي ينتقد «جنرالات» البلاد، الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على هذا النظام.
ويجزم المحلّلون بأنّ «ما نشعر به من تنامي حالة الاستياء لدى عموم الناس، تجاه الهيكلية السلطوية القائمة في البلاد، وتجاه ما يحدث الآن، بشكل خاص» بين السلطة والمعارضة، يدلّ على أن «المجتمع الباكستاني ينشد التغيير، بصورة أو بأخرى». من جهته، يشير شابير أحمد، وهو أحد أعضاء «حركة إنصاف»، إلى أنّ القمع الذي تتعرّض له الحركة سيرتدّ سلباً على حكومة شريف، على نحو يفضي في نهاية المطاف إلى تعزيز حظوظ إنصاف في الانتخابات. ويلفت إلى أن «الباكستانيين يعلمون أن جميع التهم الموجهة إلى خان كاذبة، وقد جاءت بدافع الانتقام منه»، مضيفاً أنّ «مناصري خان أصبحوا على درجة عالية من الوعي السياسي، وسيسعون إلى الأخذ بثأره، بعد كل ما تعرّض له من مظالم» خلال إدلائهم بأصواتهم في الانتخابات المقبلة.