سيحتفظ زلزال السادس من شباط 2023، بموقعه كأكبر زلزال مدمّر عرفته تركيا في القرون الأخيرة؛ فهو غطّى مساحة جغرافية ضخمة، وطاول دماره 11 محافظة، و124 قضاءً، و6929 قرية، بمجموع 120 ألف كيلومتر مربع، فيما تجاوز عدد الضحايا الـ53 ألف قتيل، و107 آلاف جريح؛ علماً أن تلك الأضرار تقتصر على تركيا، ولا تشمل الدول الأخرى المتضرّرة، ولا سيما سوريا. والزلزال المدمّر الذي وقع قبل عام بالتمام، عبارة عن هزتَين مركزهما قهرمان مراش، الأولى بقوّة 7.7 درجات على مقياس ريختر ومركزها بازارجيك، وقعت عند الساعة 04:00 واستمرّت 65 ثانية، ووقعت الثانية بعدها بتسع ساعات، عند الساعة 13:24، بقوّة 7.6، ودامت 45 ثانية. وتأثّر بالزلزال، الذي حصل في ظروف مناخية صعبة للغاية، ما يقرب من 14 مليون شخص بين قتيل وجريح ومهجّر، فيما وجد مليونان و275 ألفاً أنفسهم بلا مأوى، وهجر خمسة ملايين مساكنهم إلى محافظات أخرى.ووفقاً لأرقام رئاسة الجمهورية، فإن عدد الوحدات السكنية المدمّرة كليّاً بلغ 518 ألف وحدة سكنية، وعدد الوحدات المدمّرة بنسبة 50% بلغ 129 ألفاً، فيما لم يُتّخذ بعد قرار حاسم بترميمها أو هدمها؛ علماً أن وزير البيئة، محمد أوز حاسكي، صرّح، في آب الماضي، بأن المباني المتوسّطة الضرر ستُهدم وسيتم التعامل معها على أنها متضرّرة بشكل كامل، ما يرفع رقم الوحدات المفترض بناؤها من جديد إلى 646 ألف وحدة سكنية. أيضاً، تضرّرت بشكل شبه كامل البنى التحتية وشبكات الكهرباء والإنترنت والمياه وأنابيب الغاز الطبيعي، وتحوّلت المباني المدمّرة وشبه المدمّرة إلى ما يشبه مجمّعات ضخمة من التوابيت الطبيعية. غير أن ما أصاب مدينة أنطاكية على وجه الخصوص، شكّل كارثة فعلية، حيث تحوّل أكثر من 80% منها إلى «فراغ». وزاد من هول الكارثة أن المدينة هذه هي بمثابة متحف طبيعي من المباني الأثرية والدينية.
وفي الذكرى الأولى للزلزال، كتب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عبر «إكس»، أن «الدولة تحرّكت بكلّ إمكاناتها من اللحظة الأولى لوقوع الزلزال، وهرعت كل الأمّة بقلب واحد وقبضة واحدة لتكون إلى جانب إخوتنا المنكوبين، وأظهرت تجاه كارثة العصر وحدة العصر». وكما عكس الزلزال وطريقة معالجة آثاره الانقسام الداخلي بين السلطة والمعارضة، فقد شكّلت الذكرى الأولى له مناسبة جديدة لتظهير عمق الانقسام، إذ عنونت صحيفة «صباح» الموالية: «ضمّدنا جراحنا معاً»، وصحيفة «أقشام»: «ننهض بالتضامن»، فيما كتبت صحيفة «جمهورييات» المعارضة في عنوانها الرئيسيّ: «الجراح لم تُضمّد»، وصحيفة «سوزجي»: «مرّت سنة. الألم لم يبرد. الأنقاض لم تُرفع».
شكّلت الذكرى الأولى للزلزال مناسبة جديدة لتظهير عمق الانقسام في تركيا


ومع أن ضخامة الزلزال كانت أقوى وأكبر من قدرة أكبر حكومة وسلطة، سارعت المعارضة إلى اتهام الدولة بأنها تأخّرت في الاستجابة للكارثة بسبب ارتباط كل الأوامر بقرار مركزي من رئيس الجمهورية. كما حُمّلت السلطة مسؤولية انهيار هذا العدد الكبير من المباني بسبب تغاضي الدولة عن أعمال البناء غير المستوفية شروط السلامة، والتي انهارت عند أول هزة قوية. وقد عملت الدولة لتغطية هذه المسؤولية، بملاحقة عدد كبير من المتعهّدين بتهمة الغش، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «هيئة إدارة الكوارث» المتهمة بالتقاعس عن واجباتها، و«الهلال الحمر التركي» الذي «يتحمّل مسؤولية» التأخّر في عملية الإنقاذ، إضافة إلى «المتاجرة» بالشوادر وبيعها لمؤسسات خاصة. ومن بين الفضائح التي طفت في حينه، أن الحملة التلفزيونية التي قادها الرئيس التركي تحت عنوان «تركيا قلب واحد» لجمع التبرعات لمساعدة مناطق الزلزال، قد جمعت أكثر من 115 مليار ليرة تركية، إلا أنه لا يزال من غير المعروف، بعد مرور سنة، الجهة التي أُودعت لديها الأموال وكيف صُرفت، علماً أن غالبية الأموال كانت رسمية، أي أنها جاءت من مصارف معيّنة تابعة للدولة، ومن بينها «المركزي» نفسه.
ولا شكّ في أن وسائل الإعلام التركية تفرّغت في هذه المناسبة لتقييم الحدث، والبحث في الوعود التي قُطعت وما تحقَّق منها وما لم يتحقّق، فيما تتمّ الآن استعادة وعود الرئيس التركي للمنكوبين، بقوله بعد شهرين من وقوع الزلزال إنه سوف يعيد بناء كل الوحدات السكنية المتضرّرة، ومجموعها 650 ألفاً، منها 319 ألف وحدة سيتمّ تسليمها خلال سنة واحدة فقط. لكن في 14 أيلول الماضي، قال وزير البيئة التركي محمد أوزحاسكي، في حوار تلفزيوني، إن «إدارة المساكن العامة» تطلب بناء 850 ألف وحدة سكنية للمتضرّرين من الزلزال. وفي 25 كانون الثاني الماضي، لفت نائب وزير الداخلية، منير قارال أوغلو، إلى أنه سيتم في الذكرى السنوية الأولى للزلزال البدء في تسليم 46 ألف وحدة سكنية لأصحابها، منها 41 ألفاً في المدن، وخمسة آلاف في القرى، لافتاً إلى أنه سيتمّ خلال شهرين تسليم أكثر من 25 ألف وحدة سكنية أخرى، على أن يكون مجموع ما سيتم تسليمه، في نهاية العام الجاري، 200 ألف وحدة سكنية.
ومن تصريحات أوزحاسكي ووعود إردوغان، يتبيّن أن مجموع ما أُنجز خلال عام، هو حتى أقلّ من 46 ألف وحدة سكنية من أصل 319 ألفاً وعد إردوغان بأن تسليم مفاتيحها سيكون ابتداءً من السادس من شباط الجاري (أمس)، أي أنه لا يعرف متى سيتمّ تسليمها بالكامل، وهو رقم بعيد جداً عن الرقم الذي وعد به الرئيس، ما يعني أن نسبة الوحدات السكنية التي أعيد بناؤها وسُلّمت أو ستُسلَّم، لا تتجاوز الـ17%. وممّا لا شكّ فيه، أن الوعود كانت مرتبطة بالانتخابات النيابية والرئاسية التي كانت ستحصل بعد الزلزال بثلاثة أشهر ونصف شهر فقط.