مع انتهاء زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى مصر، والتي تندرج في إطار رغبة أنقرة في استكمال مسار المصالحات مع الأطراف الإقليمية، أملاً في أن يفضي ذلك إلى تخفيف الضغوط عن كاهل الاقتصاد التركي، بدأت تتوالى التحليلات والقراءات بخصوص نتائج الزيارة وتداعياتها. وفي هذا الإطار، رأى السفير التركي السابق في دمشق، عمر أنهون، أنه «على الرغم ممّا قد يبدو أنه دخول مصر وتركيا مرحلة التطبيع بينهما، فإنهما ستبقيان في مستوى مراقبة كل منهما حركة الآخر واختبارها: مصر تحتاج إلى تعزيز نظامها في الداخل وتطوير اقتصادها ومواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية، فيما تحتاج تركيا، على الأقلّ في هذه المرحلة، إلى التخلّي ولو مؤقتاً عن البعد الأيديولوجي في سياستها الخارجية، واتباع سياسة براغماتية». ووفقاً لأونهون، فإن «التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط، أكثر تعقيداً ممّا يُظنّ، حيث توجد أطراف ثالثة معنية بالموضوع على علاقة حسّاسة مع تركيا، فيما لا تريد اليونان وقبرص فتح الباب أمام تركيا». كما رأى السفير السابق أن «موضوعات غزة وفلسطين وحماس، لن يكون التعاون فيها سهلاً؛ إذ إن مصر لا تريد أن تذهب تركيا بعيداً في التواصل مع غزة وحماس، كما لا يمكن التكهّن بما ستؤول إليه مسألة المواطنين المصريين من أعضاء جماعة الإخوان الذين نالوا الجنسية التركية». لكنّ تطوراً بالغ الدلالة في هذا السياق، سُجّل أول من أمس، بقرار الحكومة التركية سحب الجنسية الممنوحة للقائم بأعمال المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» في مصر، محمود حسين، من ضمن 50 آخرين من عناصر الصفوف العليا في التنظيم، بدعوى «تلاعبهم بالشروط التي حصلوا بموجبها على الجنسية».ومن جهته، اعتبر الكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، في صحيفة «قرار»، أن «التطوّر الأكثر حرارة، يتمثل في مجرد قيام إردوغان بزيارة مصر بعدما كان قبل سنوات قليلة يرفض الجلوس إلى طاولة عشاء واحدة مع السيسي في نيويورك». لكن الصحف الموالية كانت أكدت، حتى قبل أن يتوجّه إردوغان إلى القاهرة، أن مسألة غزة ستكون الأهمّ على جدول أعمال لقاءات الوفد الرئاسي. ومع ذلك، فإن مواقف الرئيس التركي بهذا الخصوص اقتصرت على تجديد الدعوة إلى «حلّ الدولتين»، والوعد بزيادة عدد شاحنات المساعدات الغذائية المرسلة إلى غزة، لتصبح 600 يوميّاً، علماً أن هذه الشاحنات لا تدخل إلى القطاع أصلاً. وفيما لام الولايات المتحدة بسبب عدم وقف إطلاق النار إلى الآن، فهو لم يتطرّق إلى إمكانية ممارسة تركيا ومصر ضغوطاً في سبيل وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
يبدو واضحاً أن تركيا تذهب إلى المصالحات حيث تحتاج أو تضطر لها


وممّا لفت أيضاً، أن موضوعات أساسية تهمّ البلدين، غابت عن مواقف إردوغان، أولها الوضع في ليبيا، والذي لم يُعلم بعد ما إذا كان تمّ التوصل إلى تفاهمات بخصوصه. كما لم يتناول الرئيس التركي مسألة التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط، وترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية بين البلدين، علماً أن هذا الملف يعدّ من بين أبرز الملفات الشائكة في ظلّ التعاون المصري مع اليونان وقبرص، اللتين تختلف معهما تركيا. على أن إردوغان تحدث مليّاً، عقب زيارته المصرية، عن العراق، قائلاً إن بلاده وجّهت، عبر الزيارات المتعاقبة لوزيرَي خارجيتها ودفاعها ولرئيس الاستخبارات إلى بغداد وأربيل، رسائل واضحة بخصوص التعاون بين البلدين ضدّ «الإرهاب»، وتحذيراً إلى «حزب الاتحاد الوطني» الكردستاني في السليمانية، من مساعدة عناصر «حزب العمال الكردستاني». كما توقّف عند مشروع «طريق التنمية» الذي يبدأ من البصرة وينتهي عند الحدود التركية، ليتواصل بعد ذلك عبر تركيا إلى أوروبا. وقال، في هذا الإطار، إن شمالي العراق (إقليم كردستان) يتحفّظ على المشروع المذكور، من دون أن يذكر الأسباب، متمنّياً أن تعمل أنقرة وأبو ظبي وبغداد عليه في أقرب وقت، بوصفه «طريق حرير» جديداً للمنطقة، «يخدم السلام فيها والجميع سيكون رابحاً منه». كذلك، بدا لافتاً، أثناء الزيارة وبعدها، أن أحداً لم يتطرّق إلى الوضع في سوريا، رغم أن بعض الأصوات تروّج لإمكانية قيام مصر بوساطة بين الجارتَين.
على أي حال، وفيما تنتظر تركيا زيارة للسيسي «في شهر نيسان أو أيار» كما أعلن إردوغان نفسه، فإن البلدين يعملان معاً على سياسة خارجية تعتمد على المصالح المتبادلة، من دون أن يعرفا «ما الذي ينتظرنا من صعوبات غير متوقّعة»، على حدّ قول الرئيس التركي أيضاً. لكن الأكيد أن تركيا تذهب إلى المصالحات حيث تحتاج أو تضطر إليها، كما حدث مع إسرائيل والسعودية والإمارات، فيما لا توليها أهمية حيث تكون متحلّلة من الضغوط الإقليمية والدولية، مثلما في سوريا والعراق وأرمينيا. أما بالنسبة إلى مصر، فهي حتى الآن تقع في منزلة بين المنزلتَين.