طهران | أقيمت في طهران، الأسبوع الماضي، الدورة الـ24 من "معرض وسائل الإعلام الإيرانية"، وذلك بعد توقُّف دام ست سنوات، بفعل الأحداث السياسية - الاجتماعية، وجائحة "كورونا". وشارك في الفعالية أكثر من 600 وسيلة إعلامية ومجموعة وشركة معرفية ناشطة في مجال الإعلام، إذ يعود تاريخ المعرض إلى نحو ثلاثة عقود، وهو تشكَّل بدايةً كجزء من "معرض طهران الدولي للكتاب"، لكنه، ومع زيادة عدد الصحف والمجلات، أقيم اعتباراً من عام 2006 بشكل مستقلّ.ويمتدّ تاريخ الصحافة في إيران، منذ قرابة 200 عام، تاريخ صدور أول صحيفة حملت اسم "کاغذ أخبار" (ورقة الأخبار). وقد ساهم تطوّر التكنولوجيا، على مدى العقدَين الأخيرَين، في تغيير واقع الإعلام في الجمهورية الإسلامية، بعدما هُمّشت الوسائل الورقية شيئاً فشيئاً، لتحلّ محلّها وسائل الإعلام الحديثة، بما يشمل المواقع الإخبارية. ولعلّ أهم ملامح المعرض، تمثّل في حضور الجماهير وتواصلها مع الإعلام، أي أنه أمكن إقامة تواصل وحوار مباشرَين ومن دون وسيط، بين المتلقّي من جهة، ووسائل الإعلام والصحافيين من جهة ثانية. كما أن هذه الدورة تأثّرت خصوصاً بالانتخابات التشريعية المقرَّرة في الأول من آذار المقبل، بحيث إن معظم الذين زاروا أجنحة المعرض، كانوا من مرشّحي الانتخابات الذين استغلّوا الفرصة للدعاية والظهور في وسائل الإعلام.

مكامن القوّة والضعف
يرى رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" الناطقة بالعربية في إيران، سجاد إسلاميان، أن أهمّ نقاط القوّة لهذه الدورة، هو الاهتمام بوسائل الإعلام غير الرسمية، بما في ذلك الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي الذين تمّ تخصيص جناح لهم، فيما كانت نقطة ضعف المعرض، قلّة النشاط والحركة في مساحته مقارنة بالدورات السابقة. ويقول إسلاميان، في حديث إلى "الأخبار"، إن وسائل الإعلام الإيرانية بذلت، خلال السنوات الأخيرة، جهوداً لافتة لاجتذاب المتلقّي، وبلورت ضرباً من التنافس في ما بينها، وهو ما يُعدّ حدثاً إيجابياً بذاته، لكنّ الانزلاق في السطحية والشعبوية والعدول عن القواعد المهنية للصحافة، يعدّان من الآفات التي تنال من هذا المسار.
إحدى أهمّ المشاكل التي تعانيها وسائل الإعلام في إيران، هي المسار التراجعي لإقبال الناس


ورداً على سؤال حول واقع وسائل الإعلام الموجّهة إلى خارج إيران، ولِمَ لم تتمكّن من إيجاد موقع لافت لها على الصعيد الإقليمي، يلفت إسلاميان إلى أن المشكلة الرئيسية تتمثّل في أن وسائل الإعلام الموجّهة إلى الخارج، لا تحتلّ موقع الأولوية، ويُنظر إليها كمسألة فرعية. لكن، وعلى رغم تخصيص موازنة ضئيلة لوسائل الإعلام الموجّهة للخارج، بما فيها الإعلام الناطق باللغة العربية، فـ"(إنّنا) نشهد تكاثر وتنوّع وسائل الإعلام العاملة في هذا المجال". ويتابع قائلاً: "أحد الأسباب المهمّة الأخرى لتراجع أثر وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في إيران، يتمثّل في غياب المعرفة الكافية والمباشرة بالرأي العام في البلدان العربية وانعدام التواصل المباشر معه، ما أدّى إلى ألّا تحظى وسائل الإعلام هذه، بترحيب يُذكر من لدن المتلقّين".

وسائل الإعلام الإيرانية وأزمة مرجعية الرأي العام
إحدى أهمّ المشاكل التي تعانيها وسائل الإعلام في إيران، هي المسار التراجعي لإقبال الناس، والذي حذّر منه الكثير من المراقبين، ذلك أن تغيّر المرجعية الإعلامية وانتقالها من داخل إيران إلى خارجها، يمكن أن يؤديا إلى تزايد أثر الدول الأجنبية على الرأي العام في الداخل، بما يحقّق مصالح تلك الدول. وفي هذا الإطار، يرى جلال خوش جهرة، الصحافي الإيراني المخضرم والذي يتولّى حالياً منصب رئيس تحرير صحيفة "همدلي"، أن "بعض الضغوط على وسائل الإعلام في الداخل، بما في ذلك حجب بعضها واعتقال الصحافيين، دفعت بالجماهير إلى نتيجة مؤداها أن وسائل الإعلام هذه لا تمتلك الفاعلية السابقة، ونادراً ما يستطيعون الحصول على ما يريدونه منها". ويضيف خوش جهره، في حديث إلى "الأخبار"، أن "مجمل جسم الصحافة، وعلى رغم كل الأثمان، يسعى جاهداً إلى معرفة أسباب الأحداث وفكّ شيفرتها، وفي الوقت ذاته، العمل على تكهّن وقوعها". لكن ما يدعو إلى الأسف، بحسبه، هو أن "الأجواء باتت حالياً بالشكل الذي لا تجد الجماهير معه ضالّتها في هذه الصحافة، لأنها لا تطرح مطالبهم. وطبعاً، هذا التصوّر خاطئ، لأن الصحافة ما زالت موجودة وتسلّط الضوء على العديد من الأحداث".
وعن الآلية الكفيلة برأب الصدع بين الجماهير والصحافة، يقول خوش جهره إن "نظام الحكم يجب أن يتيح إمكانية أن تستعيد وسائل الإعلام مرجعيتها واعتبارها، وفي الوقت نفسه يتعيّن على وسائل الإعلام أن يكون أداؤها بمستوى وحجم الشريك المنصف بين ما هو مطروح لدى الرأي العام كمطالب، وما ينتظره نظام الحكم من الإعلام لكي يتصرّف في إطار المصالح الوطنية، وأن يكون مراقباً محايداً لتقريب الأفكار ووجهات النظر بعضها إلى بعض".