طهران | من المقرَّر أن تُجرى الدورة الـ12 للانتخابات التشريعية، والسادسة لمجلس خبراء القيادة في إيران، يوم الجمعة المقبل، الأول من آذار، فيما تتركّز التساؤلات حول نسبة المشاركة في الاستحقاق الأول الذي يقام بعد الاحتجاجات والاضطرابات التي اندلعت العام الماضي، ولا سيما أن التنافس بات محصوراً بالتيارَين الأصولي والمعتدل في غياب مشاركة الإصلاحيين. واتفق الجناحان الرئيسيان للأصوليين (الرئيس الحالي للبرلمان، محمد باقر قاليباف، والرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي)، الأحد، على قائمة موحّدة للانتخابات البرلمانية، تتضمّن 30 مرشّحاً عن دائرة العاصمة طهران، التي تحدّد ملامحها الاتجاهات القادمة للبرلمان. وجاء الاتفاق بين هذين الجناحَين، بعدما كان مقرّراً أصلاً، وفي ضوء الخلافات بينهما، أن يشاركا بقائمتَين منفصلتَين، لكن يبدو أن قرار التيار المعتدل (القريب من الرئيس السابق للبرلمان، علي لاريجاني، ورئيس الجمهورية السابق، حسن روحاني) خوض الانتخابات بقائمة "صوت الشعب" التي يتصدّرها علي مطهري، حفّز الأصوليين على الاتحاد في ما بينهم، درءاً للهزيمة التي قد يُمنون بها. ويتنافس في الانتخابات المرتقبة أكثر من 15 ألف مرشّح، في 208 دوائر انتخابية، لشغل 290 مقعداً في البرلمان، فيما تحتدم المنافسة بين التيار الأصولي الداعم لقاليباف ورئيسي، وذلك المعتدل، علماً أن هذا الأخير، وبسبب محدودية عدد مرشّحيه، سينافس الأول في 50 دائرة فقط. ومع أن التيار الإصلاحي لطالما شكّل قطباً من أقطاب العملية الانتخابية، بيد أنه سيتغيّب عن هذه الدورة على خلفية القانون الجديد للانتخابات، وكذلك رفض أهلية مرشّحيه الذين كانوا تقدّموا بطلبات لخوض الاستحقاق، وهو ما جعله يعتقد أن الأبواب موصدة أمامه للمنافسة مع التيار المقابل؛ إذ ركّز البيان الأخير لجبهة الإصلاحات، على أن الإصلاحيين لا يمكنهم المشاركة في انتخابات "غير تنافسية". وعلى رغم ما تقدّم، فإن بعض الأحزاب الإصلاحية، بما فيها "حزب عمال البناء"، والتي اعتبرت الانتخابات "غير تنافسية"، قرّرت دعم وجوه معتدلة في بعض الدوائر الانتخابية.
تحتدم المنافسة بين التيار المعتدل والتيار الأصولي الداعم لقاليباف ورئيسي


وتُعدّ هذه الانتخابات هي الأولى منذ وقوع الاضطرابات والاحتجاجات في إيران العام الماضي، في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني في أحد مراكز الشرطة في طهران. ولذلك، تحوّلت المشاركة فيها من عدمها، إلى واحدة من أهم القضايا، وإلى مؤشر إلى مدى رضى أو تذمّر الجماهير من السلطات. وتفيد غالبية استطلاعات الرأي، وتوقّعات المراقبين، بأنه في ظلّ الظروف الداخلية، بما فيها الواقع الاقتصادي، فإن مشاركة على نطاق واسع لن تحصل على الأرجح، على رغم أن كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية تحدّثوا عن ضرورة المشاركة في الانتخابات، واعتبروها عاملاً يسهم في ترسيخ الانسجام الوطني في مقابل الضغوط الخارجية، فيما ثمّة دعاية مكثّفة تجري على قدم وساق لتحفيز الجماهير على الإدلاء بأصواتها. وفي أحدث تصريحاته حول الانتخابات، شدّد المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، الأسبوع الماضي، على ضرورة مشاركة الجميع في الانتخابات التي اعتبرها "الركن الأساسي للجمهورية الإسلامية، والسبيل لإصلاح البلاد". وقال: "يتعيّن علينا جميعاً أن نشارك في الانتخابات؛ وليعلم أولئك الذين هم بصدد معالجة وتسوية المشاكل، أن السبيل الصحيح لذلك، هو الانتخابات وعليهم التوجه إلى الانتخابات". وكانت المشاركة الجماهيرية في الانتخابات البرلمانية السابقة قبل أربعة أعوام بلغت 42%، وهي أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية بعد الثورة الإسلامية عام 1979. ويذهب العديد من المراقبين إلى أن تدنّي نسبة المشاركة في الاستحاقات الأخيرة، يُعدّ مؤشراً إلى تصاعد التململ المجتمعي في إيران، والذي يفاقمه خصوصاً الوضع الاقتصادي المتردّي.
وتزامناً مع الانتخابات البرلمانية، ستُجرى انتخابات مجلس خبراء القيادة الذي يُنتخب أعضاؤه من رجال الدين مرّة كل 8 سنوات، ويضم 88 مقعداً، فيما تتمثّل صلاحيات هذا المجلس في تعيين المرشد الأعلى ومراقبة أدائه. وتم تأييد أهلية 188 مرشّحاً لهذه الدورة من انتخابات مجلس خبراء القيادة، معظمهم من الوجوه القريبة من التيار الأصولي. وكان لرفض أهلية رئيس الجمهورية السابق، حسن روحاني، للمشاركة في هذه الانتخابات، صدى كبير، بعدما أثار انتقادات كثيرة. وفي هذا الخضمّ، أحجم أحمد جنتي، الرئيس الحالي لمجلس خبراء القيادة والبالغ من العمر 97 عاماً، عن المشاركة في الدورة الحالية من الانتخابات، فيما لا يزال غير معلوم مَن سيخلفه.
ومن بين الوجوه المرجّحة لتولّي رئاسة مجلس خبراء القيادة في دورته العتيدة، يمكن الإشارة إلى كلّ من محمد علي موحدي كرماني، الممثّل السابق لخامنئي في "الحرس الثوري"، وإبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الحالي والنائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة الحالي، وهاشم حسيني بوشهري النائب الثاني لرئيس مجلس الخبراء الحالي، وأحمد خاتمي عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الحالي. ونظراً إلى أن المرشد الأعلى الحالي يبلغ من العمر 85 عاماً، فإن أهمية هذه الدورة من انتخابات مجلس خبراء القيادة، وعلى وجه التحديد هيئته الرئاسية، تتضاعف، لأن مدّته ثماني سنوات، وبالتالي يُرجّح أن يتقرّر مصير المرشد الأعلى الإيراني القادم، في خلال ولايته.