تفوّق جناح الأصوليين الراديكاليين داخل المعسكر الأصولي
لكن الوجه الآخر للانتخابات التشريعية الإيرانية تمثَّل في النتائج التي أفرزتها. فخلال هذه الجولة، سُجل تنافسان سياسيان بصورة متزامنة: الأول بين الأصوليين والمعتدلين القريبين من الرئيس السابق حسن روحاني، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني من جهة، والثاني بين مختلف أطياف وأجنحة المعسكر الأصولي من جهة أخرى. وسعى المعتدلون جاهدين، في غياب الإصلاحيين، ليتحوّلوا إلى القطب المقابل للأصوليين، إلا أنهم لم يتمكّنوا من الحصول على نسب مرتفعة من الأصوات بسبب تدنّي المشاركة الشعبية. وهؤلاء الذين خاضوا الانتخابات في أرجاء إيران بـ 160 مرشحاً، كانوا يأملون بأن يرسلوا نصف ذلك العدد إلى البرلمان، لكنهم نجحوا في خاتمة المطاف في الحصول على 40 نائباً فقط، علماً أن التيار المذكور قد يتمكّن من إرسال عدد آخر من مرشحيه إلى البرلمان في بعض الدوائر الانتخابية في الجولة الثانية. لكن في مدينة طهران، فإن الشخص الذي تصدّر - مثلاً - قائمة هذا التيار، أي علي مطهري، ليس حتى ضمن الـ 60 الأوائل ممَّن فازوا بأغلبية الأصوات. والشخصية الأخرى، أي محمد باقر نوبخت، الناطق السابق باسم حكومة حسن روحاني ومساعده، لم يتمكّن من الفوز في مدينة رشت. لذا، يبدو أن 40 إلى 50 ممثلاً للتيار المعتدل، من أصل 290 نائباً، سيشكّلون تكتّل الأقلية والمعارضة في البرلمان الإيراني العتيد.
غير أن تنافساً كان قائماً داخل المعسكر الأصولي الذي قدَّم بشكل متزامن عدّة قوائم انتخابية، ولا سيما في طهران التي تدور فيها المعركة الكبرى عادةً. وجرى هذا التنافس بين جناحَين: الأصوليين القُدامى والأصوليين التكنوقراط القريبين من رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد باقر قاليباف من جهة؛ والأصوليين الراديكاليين القريبين من الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي من جهة أخرى. وتشير النتائج المعلنة إلى تفوّق الجناح الأخير، إذ إن محمد باقر قاليباف الذي فاز في الانتخابات التشريعية السابقة بالمركز الأول في طهران، حلّ هذه المرّة في المركز الرابع بعد ثلاثة وجوه راديكالية أصولية تُعدّ بالمناسبة من المنتقدين الألدّاء لقاليباف (محمود نبويان، حميد رسائي وأمير حسين ثابتي). كذلك، فإن المرشّحين الـ 30 الذين فازوا بأكبر عدد من الأصوات في طهران، كانوا من الجناح الراديكالي الأصولي.
وربّما يُعدّ هذا التفوق خبراً ساراً بالنسبة إلى إدارة إبراهيم رئيسي، بحيث تتراجع الأصوات الناقدة لحكومته في البرلمان. ووصفت الأوساط القريبة من الجناح الراديكالي، نتائج الانتخابات بأنها «انسلاخ» داخل المعسكر الأصولي و»انتفاضة ضدّ العرابين» (في إشارة إلى الوجوه القديمة والمتنفذة للمعسكر الأصولي بمن فيهم غلام علي حداد عادل). وبناءً على ذلك، يبدو أن الانقسامات داخل المعسكر الأصولي ستؤدي إلى عدم تمكّنه من تشكيل تكتّل الأغلبية الموحّدة، إذ سيتوزع على تكتلَين أو ثلاثة، وهو ما قد ينجم عنه تغيير في خريطة القوى داخل البرلمان المقبل، ولا سيما تركيبة هيئته الرئاسية. ولذا، يستبعد كثيرون أن يعتلي قاليباف كرسيّ الرئاسة مرّة أخرى.