strong> مهدي السيد
أثارت التصريحات والمواقف الأخيرة الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت في شأن «الخطر الإيراني» على إسرائيل علامات استفهام عديدة بشأن الأهداف والغايات الحقيقية التي تقف وراءها، ذلك أنها تميزت بتزايد حدة اللهجة من جهة، وترافقت مع «زلة اللسان»، مقصودة كانت أم عفوية، عن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، وهو أمر وضعه العديد من الخبراء والمعلقين داخل إسرائيل ضمن سياق توجيه الرسائل إلى العالم، وإلى الولايات المتحدة، لحثهم على ضرورة القيام بكل ما من شأنه وضع حد للمشروع النووي الإيراني، بما في ذلك اللجوء إلى القوة العسكرية؛ إضافة إلى تضمنه رسالة ردعية تجاه إيران كتحذير استباقي من أي هجوم إيراني محتمل، فضلاً عن كونه يوجه رسالة اطمئنان إلى الداخل الإسرائيلي في مقابل كثرة الحديث عن «الخطر الإيراني».
وما أثار حفيظة البعض في إسرائيل لا يتعلق بالموقف من المشروع النووي الإيراني ومدى خطورته على إسرائيل وعلى موازين القوى الإقليمية، ذلك أن هذا الأمر موضع إجماع في الدولة العبرية؛ بل إن الأمر يتعلق بالتغيير الذي طرأ على طريقة تعاطي أولمرت مع الملف الإيراني، ولا سيما بعد زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي جورج بوش. تجدر الإشارة إلى أن أولمرت لجأ، عند توليه رئاسة الحكومة، إلى إعطاء توجيهاته إلى الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين كافة بضرورة التعاطي «بوتيرة منخفضة» مع هذا الملف، ثم عمد إلى استخدام نهج معاكس تماماً، ما طرح أسئلة حول الهدف من اللغة الخطابية المتصاعدة لأولمرت، تجاه طهران.
أسئلة حاول المحلل السياسي لصحيفة «هآرتس» ألوف بن وضعها ضمن خانة تفسيرات أربعة محتملة، مجتمعة أو متفرقة:
- التفسير الأول، هو أن أولمرت يريد حث بوش على شن عمل عسكري على إيران، وهذا يُعَدّ السيناريو المثالي لأنه يدمر المنشآت النووية الإيرانية ويزيل التهديد. وكان لافتاً ما تكهن به بن إزاء رضى أولمرت عن محادثاته مع بوش، مفترضاً أن رئيس الوزراء يستند في ذلك إلى الإيمان الديني وإلى عناد بوش، وأن هذين الأمرين سيقودان الرئيس الأميركي إلى مهاجمة إيران حتى في ظل المعارضة الشعبية في الولايات المتحدة للمغامرات العسكرية في الشرق الأوسط.
وأشار بن أيضاً إلى أهمية التوقيت الذي حدّده رئيس الموساد مئير داغان، لنقطة اللاعودة، التي رأى أن سنة 2008 ستكون عام الحسم، بما يعني أن أمام إسرائيل سنة للجهود الدبلوماسية وللعقوبات. والأهم من ذلك أن هذا التوقيت مناسب لإسرائيل من الناحية السياسية لأن سنة 2008 ستكون العام الأخير من ولاية بوش في البيت الأبيض، حيث سيُشغل الرئيس الأميركي في تثبيت «إرثه». ومعروف أن عام الانتخابات في الولايات المتحدة يشهد دائماً، بحسب بن، خطوات دراماتيكية في العلاقات مع إسرائيل، مذكّراً في هذا المجال باعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بالدولة اليهودية وبقمة كامب ديفيد التي عقدها بيل كلينتون وبـ«رسالة بوش» التي اعترف فيها بالكتل الاستيطانية وبالجدار الفاصل.
- التفسير الثاني يشير إلى الإعداد لهجوم إسرائيلي، حيث إن أولمرت يفضل التلميح إلى الخيار العسكري، وهو أمر جيد، بحسب بن، من أجل حث العالم على شن عملية ضد إيران من جهة، وجيد من أجل تحضير الرأي العام في إسرائيل لمواجهة معقدة من شأنها الاستمرار لسنوات، من جهة ثانية. وإذ لفت بن إلى النقاش الدائر بين الخبراء عمّا إذا كانت إسرائيل تملك القدرة على شل المشروع الإيراني، إذا ضربته في نقاط حاسمة، أشار إلى أنه من الواضح أنه سيتعين على الدولة العبرية الحصول على مصادقة أميركية على مثل هذه العملية، وهي ستفضل الحصول على هذه المصادقة من بوش الصديق وعدم المغامرة بالرهان على خليفته. وهذا هو السبب الذي يجعل أيضاً سنة 2008 حاسمة بالنسبة إلى هذا الخيار.
- التفسير الثالث يهدف إلى حل المشاكل السياسية، ذلك أن لا شيء مثل التهديد الخارجي من شأنه تهدئة الحلبة الداخلية، وأولمرت السياسي بارع جداً في استخدام هذا الأمر.
- أما التفسير الرابع فهو استمرار السيطرة على المناطق الفلسطينية المحتلة. وفي هذا المجال، يرى بن أن أولمرت يريد البقاء في الجولان، وأنه يرفض الحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد، ويعلل ذلك بمعارضة بوش، وبما أن إسرائيل بحاجة إلى الرئيس الأميركي في مقابل إيران، فممنوع عليها إغضابه من خلال هراء السلام مع سوريا.
ويرى بن أن هذا الواقع هو تنقيح للسجال القديم حول الصلة القائمة بين المناطق الفلسطينية المحتلة وإيران، مشيراً إلى تحذير اليمين من أن القنبلة الإيرانية ستمنح مظلة لأي هجوم بري على إسرائيل، الأمر الذي يمنع عليها «النزول عن الجبال»، فيما يعتقد اليسار أن الانسحاب إلى الخط الأخضر سيسحب من إيران ذريعة المس بإسرائيل.
ويلخّص بن سلوك أولمرت ومنهجه بالمعادلة التالية: «أولمرت يتحدث مثل اسحاق رابين ويتصرف مثل اسحاق شامير».