علي شهاب
اتخذ الواقع السياسي اللبناني، بإدارة «الحكومة الضعيفة»، حيزاً مهماً في مجموعة من الدراسات الأكاديمية الاسرائيلية لباحثين وخبراء فنّدوا «إخفاقات» اسرائيل في تحقيق أهدافها بسبب ارتكاب المؤسستين العسكرية والسياسية «حماقات استراتيجية»

في ظل إجماع الأكاديميين الإسرائيليين، ضمناً وصراحة، على انتصار حزب الله الاستراتيجي، يبقى الرهان قائماً على الجماعات اللبنانية التي تريد نزع سلاح الحزب، والتي ينتظرها «كفاح غير سهل»، مع الإشارة الى أن الحزب ومؤيديه من طوائف أخرى «سيزعمون أن المعسكر الخصم هو معسكر خونة، بسبب صلاتهم الوثيقة بالأميركيين، الذين يواصلون تأييد إسرائيل».
ويعدّد مدير مركز بيغن ـــ السادات (بيسا)، إفراييم إنبار، دكتور العلوم السياسية في جامعة بار ايلان، «أخطاء اسرائيل في الحرب» في دراسة بعنوان «حماقات استراتيجية»، مشيراً إلى أن القيادة الاسرائيلية أبدت «عمى استراتيجياً» على صعد عديدة، الأمر الذي حرم الجيش الإسرائيلي النصر في الحرب الأخيرة.
وأول هذه الأخطاء «الاعتقاد بأن الضغط على الحكومة اللبنانية الضعيفة يمكن ان يولّد عملية سياسية تؤدي الى إضعاف حزب الله».
في هذا المجال، يكشف إنبار عن أن قادة المؤسستين العسكرية والسياسية في تل ابيب اعتقدوا بشدة أن «بإمكانهم فعل شيء ما لتجاوز التصدعات التاريخية والاجتماعية والدينية التي تُبعد المجتمع اللبناني» عن اسرائيل. ويعود إنبار بالذاكرة إلى عام 1982 عندما «حاولت اسرائيل إحكام السيطرة المسيحية على لبنان من دون ان تنجح»، ليخلص إلى أنه «بحلول عام 2006، على اسرائيل أن تعي أنه لا يمكن اصلاح الوضع اللبناني».
ويعزز كلام البروفيسور الإسرائيلي هدف تل أبيب بخصوص انشاء واقع سياسي اسرائيلي في لبنان لدى حديثه عن «إصرار القادة الإسرائيليين، منذ المراحل الأولى للحرب، على أن باستطاعتهم إجبار لبنان على أن يكون دولة طبيعية، بعد أن يسحق الجيش الإسرائيلي حزب الله الذي يشكل دولة ضمن دولة».
بدوره، يستشرف ايهود بن مئير مستقبل لبنان السياسي بعد الحرب، ضمن حلقة من سلسلة دراسات أعدها «مركز يافي للدراسات الاستراتيجية»، التابع لجامعة تل أبيب، تحت عنوان «تقدير استراتيجي» للحرب الأخيرة بين اسرائيل وحزب الله.
ويتوقع بن مئير أن يزيد «(رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع من نقدهما لحزب الله، ولوجوده ككيان مستقل داخل دولة ذات سيادة».
ويشير بن مئير الى أن جنبلاط عارض «كل وقف للنار لا يفضي الى نزع سلاح حزب الله»، معتبراً أن «كفاحاً غير سهل» ينتظر الجماعات اللبنانية التي تريد نزع سلاح الحزب، إذ «سيزعم حزب الله ومؤيدوه من طوائف أخرى أن المعسكر الخصم هو معسكر خونة، بسبب صلاتهم الوثيقة بالأميركيين، الذين يواصلون تأييد إسرائيل».
وفيما يرسم بن مئير الخطوط العامة لسياسة الجماعات اللبنانية المعارضة لحزب الله في الفترة المقبلة، وذلك عبر التطرق الى سلسلة اتهامات سيوجهها قادة هذه الجماعات إلى الحزب بالارتباط بإيران وسوريا، فإن باحثاً اسرائيلياً آخر هو إفراييم كام يرفض الفكرة القائلة إن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين سببت الحرب، أو جاءت بناءً على «مبادرة إيرانية هدفها صرف الضغط الدولي عن النظام الإيراني في خضم سعيه إلى امتلاك سلاح نووي».
ويشدد كام، في تقدير «مركز يافي الاستراتيجي»، على أنه «رغم قرب حزب الله من إيران وصلته الوثيقة بها، فإنه ليس دمية إيرانية. وحزب الله يمتلك نظام تقديرات يخصه، يتصل بمكانته كعامل مهم في الساحة اللبنانية»، في موقف يناقض تماماً موقف الأكثرية الحاكمة في لبنان من حزب الله.
وبالعودة الى الباحث الإسرائيلي ايهود بن مئير، فإن «إنشاء نظام (لبناني) يعمل لتجريد حزب الله من سلاحه الصاروخي، ومنع تزويده بالوسائل القتالية الجديدة من إيران وسوريا» كان أحد أهم الأهداف الإسرائيلية، التي يعترف بن مئير ــــ ضمناً ــــ بفشلها، فيما يحاول افراييم إنبار التخفيف من وقع هذه النقطة بالقول إنه «حتى الولايات المتحدة، القوة العظمى، فشلت في هندسة السياسة في الشرق الاوسط»، ليعود الى تعداد «الحماقات الاستراتيجية» بانتقاد الاستخدام المفرط للقوة من أجل «إنشاء مناخ سياسي جديد في لبنان».
ويرى إنبار أنه كان على اسرائيل تبني أهداف «أكثر تواضعاً» في حربها كـ«التركيز على إزالة مخاطر إيذاء اسرائيل»، في اشارة الى القوة الصاروخية لحزب الله.
وتكمن حماقة استراتيجية أخرى في «فشل اسرائيل في إيجاد التمويل اللازم من أجل تطوير نظام مضاد للصواريخ» و«فشل القيادة الاسرائيلية في فهم المعاني الاستراتيجية لسقوط آلاف صواريخ الكاتيوشا على شمال اسرائيل بأكمله»، فضلاً عن «الاعتماد الزائد على القوة الجوية».
ويخلص إنبار الى أن «تردد القيادة السياسية في نشر كتائب المشاة سمح لحزب الله بدك المدن الاسرائيلية بالكاتيوشا لشهر كامل، وإعلان النصر في نهاية الحرب»، مضيفاً إن القيادة الإسرائيلية «أضاعت فرصة هامة لتسجيل أهداف وتعزيز قوة الردع. ليس باستطاعة إسرائيل تحمل إخفاقات كهذه».
إخفاقات لا يخوض افراييم إنبار في شرح نتائجها، تاركاً المهمة لمارك هيلر، الذي كتب حلقة اخرى من تقدير «مركز يافي الاستراتيجي» للحرب، بعنوان «مواجهة حزب الله و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس وما بينهما».
ويرى هيلر أنه «سيصعب على (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله وحزب الله الخروج بلا ضرر تماماً من الأزمة مع اسرائيل، ولكن على خلفية الصورة التي تُرى فيها القضية في المنطقة، يكفي ألا يُهزما هزيمة مُذلة كي يستطيعا زعم الانتصار. واذا حدث هذا، فإن خطاب ومنطق المقاومة سيحصلان على زخم أكبر، وكل دعوة من أجل اعتدال حماس وبراغماتيتها ستلقى جواباً غير ذي قيمة».
ويستنتج هيلر أن «الباعث على المضي في طريق حزب الله سيكون أقوى»، بعدما انتهت الحرب.


القوات الدولية «خطأ استراتيجي»
يتطرق الباحث الاسرائيلي إفراييم إنبار الى قضية القوات الدولية في جنوب لبنان باعتبارها خطأ استراتيجيا ارتكبته وزارة الخارجية الإسرائيلية، ذلك أن «الأمل في أن تتمكن قوة دولية من ازالة الميليشيات في جنوب لبنان، وحظر تصدير السلاح الى حزب الله، وفقاً للقرار 1701، لا أساس له». ويشكك إنبار في «نية القوات الدولية استخدام السلاح من أجل تطبيق قرار دولي، ليختم نظريته في هذه النقطة بالقول إن «اليونيفل لن تزعج حزب الله».
على أن مفارقة «خطيرة» أفرزتها الحرب تتمثل في «الإيمان الاسرائيلي الجديد بالأمم المتحدة، المنظمة المفلسة والفاشلة بالكامل».