أما على الحدّ الجنوبي، الجبهة الوحيدة التي يتولّاها السعوديون مباشرة، فإن الجيش النظامي والحرس الوطني أثبتا فشلهما منذ الأيام الأولى للحرب، علماً بأنه ينتشر إلى جانبهما هناك مرتزقة من جنوب اليمن يُقدَّرون بستة ألوية نظامية تابعة لما يسمّى «الشرعية»، وألوية أخرى تم إنشاؤها من قِبَل متعهدين في محافظات الشمال، لا سيما في تعز. ويتموضع المرتزقة اليمنيون في النسق الأول من الجبهة، بينما ينتشر في النسق الثاني مرتزقة سودانيون يصل عددهم إلى 30 ألف مقاتل، وفق ما أفاد به رئيس «المجلس السيادي» في السودان، عبد الفتاح برهان. وفي النسق الثالث، تنتشر القوات السعودية، فيما تكتفي بالحضور في النسقين الأول والثاني بالحدّ الأدنى بهدف التقليل من الخسائر. وعليه، فإن الهجمات التي تُشنّ من الحدّ الجنوبي تجاه الأراضي اليمنية تنفّذها قوات يمنية وسودانية، ويقتصر الحضور السعودي فيها على تشكيلات رمزية.
انكشف في العام الخامس من الحرب وجود خيارات حاسمة لدى قوات صنعاء
أدت حرب اليمن إلى انكشاف الجيش السعودي، الذي تبيّن أنه لا يمتلك منظومات تخطيط استخباري وعملياتي وحتى لوجستي، وهي بالمناسبة القوائم الرئيسة للجيوش، والتي على أساس دراستها تتقرّر إمكانية خوض الحرب من عدمها، وهذا ما لم يحصل. ولو امتلكت السعودية تلك المنظومات أو أحسنت استخدامها، لامتنعت عن الانجرار إلى حرب اليمن، لعدم توافر إمكانية النجاح بالنظر إلى التركيبة السكانية والتضاريس الجغرافية الصعبة للبلد المعتدَى عليه. الذراع الوحيدة التي تفوّق بها «التحالف» هي سلاح الطيران الحربي، بعدما زُوّد غربياً بأحدث تقنيات الرؤية الليلية والنهارية، والدقة في الإصابة، والقدرة على المناورة، في مواكبة العمليات البرية. وقد نجحت طائرات «التحالف» في تدمير المطارات والمنشآت المدنية الحيوية في مناطق سيطرة «أنصار الله»، أو إلحاق أضرار كبيرة بها عطّلتها عن العمل، ولذا فهي غير صالحة لأن تكون هدفاً لأي ردّ انتقامي. كذلك، توسّع السعوديين والإماراتيون في القصف الجوي من دون معلومات دقيقة، وتعمّدوا في أغلب الضربات إصابة المدنيين بغية إحداث مجازر، في إطار سياسة كيّ الوعي اليمني.
أما عسكرياً، فقد نجح سلاح الطيران السعودي في بدايات الحرب في إحداث ضرر غير بسيط بالتشكيلات العسكرية (البشرية والمادية) للجيش واللجان الشعبية. لكن قوات صنعاء استطاعت خلال سنوات الحرب تطوير قدراتها على التخفي، لتصبح بالنسبة إلى «التحالف» عدواً هلامياً ليس له مواقع أو منشآت محددة يمكن أن يحقق قصفها مكاسب. يضاف إلى ما تقدم، أن تفوق سلاح الطيران السعودي لم يكن ليتحقق لولا التعاقد مع شركات أميركية وبريطانية. وفي هذا الإطار، نشرت القناة الرابعة البريطانية، العام الماضي، تقريراً قالت فيه إن فنيين من شركة «بي إيه إي سيستمز» المتخصصة في مجالات التصنيع والطيران والتكنولوجيا الدفاعية يعملون في قواعد جوية في السعودية، مُقدّرة عددهم بـ6300 خبير وفني. وأشارت القناة إلى أنه لولا الدعم البريطاني، فإن الطائرات المقاتلة «يورو فايتر تايفون» التي تملكها القوات الجوية السعودية لن تستطيع التحليق لأيام، لافتة إلى أن لدى القوات البريطانية والأميركية ضباط اتصال في مركز عمليات القوات الجوية الخاص باليمن. والجدير ذكره، هنا، أن كثيراً من الطائرات السعودية، البالغ عددها 400 طائرة عاملة، يحتاج إلى صيانة بشكل جذري في بلد المنشأ.
في مقابل الإنهاك والترهّل في صفوف الجيش السعودي، انكشف في العام الخامس من الحرب وجود خيارات حاسمة لدى قوات صنعاء، التي انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وباتت لديها مروحة واسعة من الخطط والبرامج، لا يبدو أنها مستعجلة في تنفيذه، بالنظر إلى أن الوقت يمضي لمصلحتها.