في الوثائق المسرّبة أخيراً عن وكالة الاستخبارات الأميركية، يظهر أن إقصاء «هواوي» من السوق العالمية يُعدّ أولويّة، حتى لو في أسواق صغيرة مثل الأردن. ولهذا السبب، تواصلت الاستخبارات الأميركية مع وليّ العهد الأردني، حسين بن عبد الله، من أجل اتخاذ تدابير وإجراءات إقصائية للشركة الصينية عن مشروع الـ 5G. وعلى رغم «تردّده» خوفاً من ردّة فعل الصين، إلا أن وليّ العهد استخدم الاستخبارات الأردنية للضغط على مشغّلي الهاتف الخلوي الثلاثة (أمنية، أورانج، زين) في الأردن، ومنعهم من استقدام عروض أو شراء أيّ تجهيزات من «هواوي».الوثائق المسرّبة كثيرة، ومعظمها يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية، وبسياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية تجاه روسيا والصين، كما جاء في الإعلام الغربي على صفحات «سي أن أن» و«دايلي تايمز» و«سي بي أس نيوز» وسواها. وقيل أيضاً إنها تشير إلى تجسّس تمارسه أميركا على حلفائها. ولم ينف أيّ من المسؤولين الأميركيين حقيقة وجود هذه الوثائق، بل قالوا إنهم أطلقوا تحقيقات في عملية تسريبها، ولا سيما أن بعضها مدموغ بعلامة «سرّي للغاية».
من بين هذه الوثائق الكثيرة، استحوذت الصين على محور أساسي في العمليات الاستخبارية الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، ولا سيّما في ظلّ الحرب التجارية مع الصين التي تظهر تقدّماً تكنولوجياً متسارعاً، يمثّل خطراً على وجود أميركا في الأسواق الخارجية، وحتى في السوق الأميركية أيضاً. لذا، فإن الهدف، كما يظهر من هذه الوثائق، كسر إرادة الشركات الصينية، ولا سيما تلك التي لديها ريادة تكنولوجية متطورة مثل الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي.
في تلك المعركة، انحاز الأردن بشكل تام إلى الولايات المتحدة الأميركية ضدّ الصين، وهو ما لم يكن ليحصل الا بسبب التدخل المباشر لوليّ العهد الأردني، حسين بن عبد الله، في عملية إقصاء «هواوي» عن السوق الأردنية.
وتشير الوثائق إلى أن وليّ العهد «كُلّف» بإدارة مشروع نشر الجيل الخامس (5G)، وهو استخدم وكالة الاستخبارات الأردنية لإدارة ذلك الملف من كل الجوانب المتعلقة بالمناقصات التجارية. ويظهر أن هناك ثلاث وثائق تعود إلى شهر شباط الماضي مضمونها يشير إلى نقاش واسع بين كبار المسؤولين الأردنيين حول استبعاد «هواوي» من مشروع شبكات الجيل الخامس.
ونقلت «سي بي أس نيوز» عن إحدى الوثائق أن «وليّ العهد كان يشعر بالقلق من ردّة فعل الصين أو من انتقام الصين لدى إقصاء هواوي»، علماً بأن الشركة الصينية كان لديها حظّ وافر لربح المناقصات التجارية الخاصة بطرح شبكات الجيل الخامس مع المشغلين الثلاثة في الأردن (أمنية وأورانج وزين). لذا، لم يتمكن ولي العهد من «منح تأكيدات جازمة لواشنطن بخصوص عملية الإقصاء».
وتوضح الوثائق المسرّبة رأي وكالة المخابرات المركزية، المقدّم إلى «البنتاغون»، حول كون وليّ عهد الأردن المالك السرّي لملف طرح شبكات الجيل الخامس وكل القرارات الخاصة به، بما في ذلك المناقصات التجارية التي تقدّم بها المورّدون لمشغّلي الاتصالات الثلاثة في الأردن. كما تبيّن لاحقاً أن الأميركيين تبلّغوا من الأمير حسين أن مورّدي تكنولوجيا الجيل الخامس الصينيين - تحديداً شركة «هواوي» - لن يفوزوا بأيّ من المناقصات التجارية التي انخرطوا فيها مع مشغّلي الاتصالات في الأردن بمعزل عن طبيعة عروضهم. إذ تواصلت دائرة المخابرات العامة في الأردن، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات، مع مشغّلي الاتصالات الثلاثة بشكل سري وصارم لاستبعاد «هواوي» من المنافسة التجارية لبناء شبكات الجيل الخامس في الأردن، في مقابل مغريات وتسهيلات وحسومات مالية، ما يعني أن عمّان شاركت في الحرب التجارية ضدّ الصين لحساب أميركا، وموّلت هذه العمليات من خلال الربح الفائت على الخزينة الأردنية وعلى حساب الاقتصاد الأردني. وبحسب ما كُشف، فإنّ المشغلين سيحصلون مقابل المساهمة في إقصاء «هواوي»، على طيف تردّدي مجاني أو منخفض السعر، اضافة إلى حسومات على أكلاف الكهرباء، والإعفاء من الرسوم الجمركية لمعدّات الجيل الخامس، وحسومات أخرى بقيمة تصل إلى 50 مليون دولار، وسياسة تفضيلية بشأن نسبة مشاركة عائدات المشغّلين مع الدولة.