في هذا الوقت، كان غطاء المساعدات الخليجية يرتفع إلى أجل غير مسمّى؛ ليس فقط بسبب إحجام دول الخليج عن التقديمات المجانية للسيسي ونظامه، ولكن أيضاً بسبب اعتقاد هذه البلدان بأن ما يقوم به الرئيس المصري ليس أولوية اقتصادية في ظلّ استمرار طلب المِنح والدعم من دون حدود وبلا رؤية واضحة، فضلاً عن تردّد القاهرة في تنفيذ ما تتطلّبه هذه المِنح والهبات من شروط، ولا سيما في مواقف سياسية ظهر فيها تضارب واضح في المصالح. ومن هنا، رَفعت دول الخليج يدها اقتصادياً، مكتفيةً بالبحث عن استثمارات، وضاغطةً للاستحواذ على أصول الدولة المصرية كافة، من شركات الاتصالات، إلى الموانئ البحرية، مروراً بشركات البتروكيميائيات وغيرها من القطاعات المربحة مثل المصارف وحتى مشروعات الطاقة. وفي الوقت الراهن، تبدو قطر الأقرب إلى تنفيذ عمليات استحواذ عدّة بقيمة تصل إلى 5 مليارات دولار، وذلك بعد تحديد «الصندوق السيادي القطري» ما يرغب في الاستحواذ عليه، والوصول إلى مراحل متقدّمة من المفاوضات في شأنه، بخلاف الصناديق السعودية والإماراتية التي تواجه مفاوضاتها مشكلات عدّة - على رغم توقيع اتّفاقات لمنع الازدواج الضريبي، وإقرار تسهيلات كثيرة - ربطاً بالخلاف حول سعر الصرف الذي سيجري على أساسه التقييم. وفي انتظار معالجة هذه المشكلة، تلجأ الحكومة إلى محاولات حلحلة مؤقتة عبر طروحات استثنائية لسندات من أجل سدّ العجز وسداد الديون وفوائدها.
تُواصل السلطات التفاخر بمعدّلات غير مسبوقة في تنفيذ مشاريعها
وكانت السلطات المصرية تسرّعت في زيادة عدد المشروعات من دون دراسة كافية؛ فمحطّات الكهرباء الجديدة التي تُدفع فوائد قروضها ويسدَّد ثمنها من موازنة الدولة، بات أكثر من نصفها معطّلاً بسبب عدم الحاجة إليها، فيما مشروعات الطرق التي ينفّذها الجيش بسرعة قياسية باتت تعاني من مشكلات جمّة، وهو ما ينسحب أيضاً على العاصمة الإدارية الجديدة التي كان يُفترض أن ينطلق العمل بها قبل 3 سنوات، إلّا أنها لا تزال مدينة أشباح خالية حتى من الإشغال الحكومي. وبالعودة إلى المشاريع المفترض بيعها، فإن الحكومة التي تستهدف توفير مليارَي دولار قبل نهاية الشهر الجاري، لم تنجح سوى في بيع ما قيمته 150 مليون دولار، حصلت عليها من جرّاء بيع حصة الدولة في «الشركة المصرية للاتصالات» والتي طُرحت في البورصة الشهر الماضي، في حين لم تنفّذ أيّ عملية بيع مرتبطة بـ32 شركة كان يُفترض أن ينتهي بيعها بحلول شهر آذار المقبل، بحسب إعلان الحكومة.
وعلى رغم مطالبة «صندوق النقد الدولي» بضرورة إبطاء وتيرة المشروعات الكبرى، لعدم جدوى بعضها اقتصاديّاً، تُواصل السلطات التفاخر بمعدّلات غير مسبوقة في تنفيذ مشاريعها، التي تبدو المبالغة واضحة في تكلفتها وطريقة تنفيذها لتكون وفق أحدث المعايير العالمية، على غرار المباني الحكومية في العاصمة الإدارية الجديدة والمقرّ الصيفي للحكومة في العلمين، فيما جدواها، أقلّه في المستقبل القريب، مشكوك فيها. وفي وقت تتعهّد فيه الحكومة بتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، تُواصل التعزيز من سيطرتها على أجهزة وقطاعات عديدة عبر إسناد صفقات بالأمر المباشر إليها، وآخرها إسناد توريد وتأثيث مقرّات الوزارات إلى «الهيئة العربية للتصنيع» التي يديرها عسكريون سابقون، بما يتعارض مع المطالب الخليجية والغربية بضرورة إبعاد الجيش عن ساحة النشاط الاقتصادي، حيث يحصل على امتيازات استثنائية سواءً في تدبير العملة الصعبة، أو تسهيلات غير مسبوقة وعقود إسناد بالأمر المباشر من دون مراجعة أو تعديل. وإذ تروّج الحكومة المصرية لكون التعاقد مع الشركات والجهات التابعة للجيش، سواءً بشكل مباشر أو من خلال الشركات التي يديرها بشكل غير مباشر، هو الخيار الأنسب والأسرع، لكن الواقع تغيّر في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب صعوبة مراقبة وتقييم جودة المشروعات المنفَّذة وعدم القدرة على محاسبة الجهات المنفِّذة، ولكن أيضاً لاستعانة الجيش بمقاولين لتنفيذ الأعمال الكبيرة المسندة إليه والتربّح منها، بما يحرم الشركات من نسبة ربح تحصل عليها الشركات التابعة للعسكر عبر «الوساطة».