الوساطة الأميركية - السعودية: بين التأجيل وتهميش الأزمة
أعلنت الخارجية الأميركية، قبل أيام، على لسان مساعِدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي في، وقف مساعي وساطتها عبر «منبر جدة»، بسبب عدم نجاح الصيغة الحالية لها «على النحو المراد». وتضمّنت تصريحات «في»، التي جاءت أمام لجنة فرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب، دعوة صريحة إلى الحكومات الأخرى «للانخراط في فرض عقوبات» على أطراف الأزمة، وهو ما بدأت المملكة المتحدة النظر فيه بالفعل، فيما تخلّف الاتحاد الأوروبي عن المضيّ قُدُماً في اتّخاذ قرار سريع بهذا الشأن. كذلك، أعلنت واشنطن أنها ليست بصدد تعيين مبعوث خاص لها في السودان، مكتفيةً، بحسب «في»، بالنظر في ترقية دور السفير الأميركي، جون جودفري، في ما يؤشّر إلى استطالة متوقّعة في الأزمة، حتى في حال رجحان كفّة على أخرى. وعلى الخطّ السعودي، اكتفت الرياض بمحادثات هاتفية أجراها وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، مع رئيس «المجلس السيادي»، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، جدّد خلالها الأول الدعوة إلى «وقف جميع أشكال التصعيد، والمضيّ في حلّ سياسي من أجل ضمان عودة الأمن والاستقرار».
أعلنت الخارجية الأميركية، قبل أيام، على لسان مساعِدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي في، وقف مساعي وساطتها عبر «منبر جدة»
وعلى رغم نجاح السعودية، ظاهرياً، في مؤتمر جنيف (19 الجاري) لحشد الدعم الإغاثي للسودان، وتعهّد الدول المشاركة فيه بضخ 1.5 بليون دولار للمتضرّرين من الأزمة (رصدت تقديرات تشرّد مليونَي سوداني داخلياً منذ 15 نيسان)، فإن المخاوف تجدّدت من عدم وصول المعونات المرتقبة إلى من يحتاجون إلها في ظلّ السلطة الحالية. وهي مخاوف عبّر عنها مسؤولون سابقون في حكومة عبد الله حمدوك (تثير عودة هؤلاء إلى تداول المسألة السودانية تساؤلات حول متغيّرات المرحلة المقبلة، واحتمال بدء التراجع التدريجي عن نتائج انقلاب تشرين الأول 2021)، داعين إلى توجيه أغلب هذا الدعم (الذي لم يُحشد فعلياً بعد) لدعم الموسم الزراعي الحالي في المناطق التي لا يضربها الصراع مثل الجزيرة وسنار والقضارف.
دول الجوار والأزمة: نحو تكريس الوضع القائم؟
كشف فشل مبادرة «إيغاد» في تحقيق أيّ من خطوط خريطة طريقها الأربعة، عن تراجع مذهل في قدرة دول جوار السودان (ومنها إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان) على تقديم حلول واقعية للأزمة. والظاهر أن هذه الدول بدأت تميل إلى تكريس الوضع القائم، ودفع الطرفَين إلى بدء محادثات سياسية مباشرة (وهو خيار يبدو حتى الآن غير واقعي). وفيما تقترب الأزمة من دخول شهرها الرابع، باتت الجارة الجنوبية للسودان (والتي نفت قبل أيام ما تردّد عن غلق حدودها) في مرمى نيرانها أكثر من أيّ وقت مضى، مع امتداد الصراع بشكل مكثّف إلى ولاية جنوب دارفور (التي تشترك في حدودها الإدارية مع كلّ من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية جنوب السودان)، وهو ما عبّرت عن تخوّفها منه فرنسا التي نشرت قوات لها بالفعل على الحدود التشادية - السودانية، والتي تمتدّ جنوباً عبر شريط ضيّق لكنه بالغ الحساسية. ولربّما يمثّل خطر امتداد النزاع إلى جنوب السودان، تمهيداً لتدخّل دولي في المسألة السودانية، يتجاوز كثيراً نشر فرنسا قوات تابعة لها لمراقبة الحدود التشادية - السودانية، وخصوصاً في ظلّ تراجع محتمل لأنشطة مجموعة «فاغنر» في المنطقة.