غزة | تُواصل دولة الاحتلال مساعيها لشراء مزيد من الهدوء مع قطاع غزة. فبعد السماح لما يزيد على 15 ألف عامل بدخول الأراضي المحتلّة، كشفت «القناة الـ 12» الإسرائيلية، في نهاية شهر حزيران الماضي، عن وجود مخطّط تجريبي لتسيير رحلتين تسمح بموجبهما لسكّان القطاع بالسفر عبر مطار رامون جنوب صحراء النقب، والذي كان قد افتُتح في عام 2019، وفشل حتى اليوم في تحقيق أيّ عوائد تجارية. وبحسب القناة الإسرائيلية، فإنه سيُسمح لمن تنطبق عليهم الشروط الأمنية من سكّان غزة، بالحصول على تذكرة طيران وتصريح عبور عبر منفذ «بيت حانون - إيرز»، على أن لا تتوقّف السيارة التي تقلّ المسافرين سوى في المطار، ومنه سيتوجّه هؤلاء إلى مطار أنطاليا التركي، ليصبح «رامون» نقطة انطلاق للمسافرين إلى أيّ منطقة في العالم. وبرغم أن تلك الخطوة لم تعلن عنها الحكومة الإسرائيلية رسمياً، فإن عدداً من المكاتب السياحية في غزة دشّنت، أخيراً، إعلانات ترويجية للفكرة. وبينما لم تُصدر حركة «حماس» أيّ تعقيب رسمي، بادرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» إلى الدعوة إلى مقاطعة الإجراء الإسرائيلي. وقالت في بيان صحافي: «ندعو جماهير شعبنا إلى رفض السفر عبر مطار رامون الصهيوني، باعتباره تكريساً لوقائع يفرضها الاحتلال ضمن مخطّطات الضمّ والإلحاق والتبعية». ودعت الجبهة حركة «حماس» إلى «اتّخاذ الإجراءات اللازمة التي تُفشل مخطّطات العدو، ومنعه من استغلال حاجة المواطنين إلى السفر، وبذل جهود مع الأشقاء (المصريين والأردنيين) من أجل تخفيف معاناتهم في السفر عبر معبرَي رفح والكرامة». وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الحركة لم تعارض حتى اللحظة المقترح المطروح إسرائيلياً، برغم وجود محاذير لديها، من أن الموافقة على خطوة كهذه، ستستجرّ غضباً مصرياً وأردنياً، غير أنها «أوّلاً وأخيراً مع أيّ خطوة تساهم في تخفيف معاناة سكّان القطاع، المحرومين من السفر بحرية».
لم يلقَ الترويج الإسرائيلي أيّ حماسة تُذكر بالنظر إلى أن الهاجس الأمني يبقى حاضراً


في الشارع، لم يلقَ الترويج الإسرائيلي أيّ حماسة تُذكر؛ بالنظر إلى أن الهاجس الأمني المتمثّل في احتمال اعتقال أيّ من المسافرين، يبقى حاضراً. لذا، يفضّل محمود المصري (33 عاماً) تكبّد عناء التسجيل والانتظار للسفر عبر معبر رفح البري، على أن «أسلّم عنقي للإسرائيليين» كما يقول لـ«الأخبار»، مضيفاً إن «القيود المحيطة بالسفر عبر مطار رامون، لناحية السلامة الأمنية والسنّ المقيَّد بـ 35 عاماً فما أكثر، تجعل فكرة القبول به متعذّرة. أفضّل المعاناة بأمان عبر معبر رفح، والتسجيل والانتظار طويلاً، على أن أذهب بقدميّ إلى الإسرائيليين». من جهته، يرى المختصّ الاجتماعي، محمد المبحوح، أن طبيعة سكّان القطاع، المؤطّرين حزبياً، والمتفاعلين وطنياً مع مختلف القضايا في الضفة وغزة، تحصر فرص السفر في شريحة محدودة من التجار وموظفي المؤسسات الدولية. ويوضح المبحوح، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «معظم السكّان منتمون إلى الفصائل، والانتماء إلى تنظيم وفق القانون الإسرائيلي يقود إلى السجن لمدّة لا تقلّ عن 5 سنوات. هذه النقطة وحدها تجهض الجانب العملي للخطوة الإسرائيلية».
وفي أبعاد وتداعيات المخطّط الإسرائيلي، يرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن «دولة الاحتلال، إلى جانب مساعيها الاقتصادية في تفعيل مطار رامون الفاشل تجارياً، فهي تحاول بناء جيل فلسطيني جديد في القطاع، يفكّر في مستقبله بعيداً عن السياسة والانتماء إلى الفصائل، ويحرص على سلامته الأمنية ليحظى بمختلف الامتيازات». ويضيف محمد، في حديثه إلى «الأخبار«، إن «هذه الخطوة لا تستهدف الجيل الحالي، وإنّما الأجيال الصاعدة والناشئة. إسرائيل تُنافس الفصائل في السيطرة على الأجيال، من خلال زيادة الخيارات لدى الأخيرة. خلال الـ 15 عاماً الماضية، تراجع الحضور الإسرائيلي في المشهد الغزاوي، وهذا الفراغ سمح للفصائل بأن تكون البوابة الوحيدة لاستقبال الأجيال الصاعدة، وهذا يعني وفق الفهم الإسرائيلي أن الشريحة الاجتماعية في القطاع ستستحوذ عليها الفصائل التي ستحوّلها بلا شك إلى حاضنة للمقاومة».
على أن تلك الخطوة لن تشكّل، وفق ما تؤكد مصادر في المقاومة، عامل ضغط جديداً في اتجاه المحافظة على الهدوء، وذلك بسبب محدودية الشريحة المستفيدة، والتي من الممكن أن تقبل أصلاً بالسفر عبر «رامون».