الخرطوم | أثار خروج القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من مقر القيادة العامة للجيش شرقي العاصمة الخرطوم، بعد ما يقارب خمسة أشهر من مكوثه هناك، العديد من التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذا التوقيت، ومن ثمّ زيارته مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم، وانتقاله منها إلى مدينة بورتسودان شرقي البلاد، حيث تمارس الحكومة مهامها الإدارية منذ اندلاع الحرب منتصف نيسان الماضي. وربط مراقبون بين هذه الخطوة، ووجود تحركات إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية تضع حدّاً للاقتتال الحاصل بين الجيش و«الدعم السريع». غير أن مصدراً ديبلوماسياً رفيعاً، تحدّث إلى «الأخبار»، أكّد أنه «لا حديث عن مفاوضات في الوقت الحالي»، من دون أن ينفي احتمال الدخول في عملية تفاوضية لاحقاً. وأشار المصدر إلى أن «الدعم السريع تشترط لعودتها إلى منبر التفاوض، بقاءها كما كانت قبل 15 نيسان، وأن يستمرّ تواجدها في الخرطوم كما في السابق، وهو ما يرفضه الجيش والحكومة».ويتابع السودانيون، بكثير من الترقّب، أخبار المعارك الدائرة بين الطرفين، فيما يبدو على أرض الواقع أن أيّاً من هذَين غير قادر على حسم المعركة لصالحه، على الأقلّ حتى الآن، وذلك على رغم تفوّق الجيش في العتاد، وامتلاكه سلاح الجو الذي ساهم في حسم عدد من المعارك. ويخشى مراقبون، في ظل العجز عن الحسم، من أن تمتدّ الحرب إلى ولايات أخرى، خاصة تلك المتاخمة لولاية الخرطوم من جهتَي الجنوب والشمال. كما لا يستبعدون تحقّق هذا السيناريو، في ظلّ تسجيل استجابة لا يستهان بها من قِبل الشباب في الولايات المذكورة لدعوة قائد الجيش إلى الانخراط في صفوف القوات المسلحة لـ«الدفاع عن بلادهم»، وفي المقابل تسارع وتيرة عمليات التجنيد على مقلب قوات «الدعم السريع»، إذ بعدما تزايدت خسائر هذه الأخيرة من جراء قطع خطوط إمدادها من قبل الجيش الذي سيطر على الجسور الرابطة بين مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري قبالة مدينة أم درمان غربي العاصمة، والتي تُعتبر بوابة الإمداد من دارفور، وبعدما أضحت شبه محاصرة داخل ولاية الخرطوم، يتزايد لجوؤها إلى تجنيد صغار السنّ من المناطق الطرفية الواقعة تحت سيطرتها في تلك الولاية. وظهر ذلك جلياً في المعارك التي دارت رحاها الأسبوع الماضي، وكان مسرحها سلاح المدرعات في منطقة الشجرة جنوبي الخرطوم، حيث دفعت «الدعم» بشباب يافعين إلى الخطوط الأمامية.
يبدي عدد من قيادات الجيش رغبتهم بوضع حدّ للاقتتال مع «قوات الدعم السريع» عبر حلول سياسية


وعلى رغم صدّ الجيش هجمات «الدعم» المتواصلة على سلاح المدرعات، وتنفيذه عملياتٍ وُصِفت بالنوعية ضدّها، إلاّ أن تلك القوات لا تزال تسيطر على مقار عسكرية ومناطق استراتيجية في ولاية الخرطوم، من مثل جسر المنشية الرابط بين الخرطوم والخرطوم بحري، وجسر شمبات الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول أسباب مراوحة المعركة، التي شارفت على دخول شهرها السادس، مكانها. وفي هذا المجال، يدّعي مصدر في القوات المسلحة، تحدث إلى «الأخبار»، أن «المتبقّي من عناصر قوات الدعم السريع في ولاية الخرطوم بإمكان الجيش القضاء عليهم في نصف يوم باستخدام قوة عادية وليس قوة معزّزة»، مستدركاً بأن «الجيش لم يقصد التأخر في حسم المعركة، بل إن تعقيدات المعارك وأحياناً تكتيكات العدو وأسلوب قتاله تفرض التريّث، خاصة أن الجيش جرّب الدفع بقوات المشاة في المعارك التي خاضها في الأيام الأولى، ما تسبّب بخسائر بشرية كبيرة، ودفعه إلى تبنّي أسلوب جديد بحيث يستنزف العدو مستخدماً كلّ أنواع الأسلحة (سلاح المدفعية، سلاح الجو بالإضافة إلى المشاة)، من دون التسبّب بخسائر كبيرة في صفوفه».
ويصف خبراء عسكريون الحرب التي يخوضها الجيش بأنها حرب مدن بما فيها من تعقيدات، ولا سيّما أن «الدعم» تنتشر في الأحياء السكنية، وتتّخذ من الأسرى المعتقلين داخل مناطق سيطرتها دروعاً بشرية، وهو ما يصعّب على الجيش استخدام الأسلحة الثقيلة أو الطيران الحربي. وفي السياق، يقول المدير الأسبق لـ«مركز الدراسات الاستراتيجية» التابع للجيش، اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد عبد السلام، إن الجيش ومنذ بدء المعركة «يعمل وفق استراتيجية واضحة لم تتغير، وهي إنهاء التمرد بالحسم العسكري فقط». ويرى، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تأخر الحسم مرتبط بأمور فنية عسكرية تعلمها قيادة الجيش، والتي تملك خطة تسير عليها»، معتبراً أن «عمليات الحسم العسكري تمضي بخطى ثابتة، وأن ما تبقّى من ميليشيا الدعم السريع من الممكن الدخول معهم في مسألة ضمّهم وفق شروط الخدمة في القوات المسلحة».
سياسياً، تشهد الساحة السودانية انقسامات حادة؛ إذ ترى تيارات سياسية على رأسها المجموعة الموقّعة على «الاتفاق الإطاري» - «قوى الحرية والتغيير» - مع الجيش، ضرورة إنهاء الحرب، وتدعو طرفَي الاقتتال إلى وضع حدّ لعملياتهما، بينما ترفض المجموعات المنتمية إلى التيارات الإسلامية، والتي دفعت بعناصرها في قلب المعارك، الحسم عبر التفاوض، بل ترى أن الحسم يجب أن يكون عسكرياً، وأن أي وصفة خارجية لإنهاء الحرب تعني بالضرورة استمرار قوات «الدعم السريع» في المشهد السياسي أو العسكري، الأمر الذي يلقى اعتراضاً كبيراً حتى من قبل عناصر الجيش غير المنتمين إلى التيار الإسلامي، والمتمسكين بمواصلة المعارك.
في المقابل، يبدي عدد من قيادات الجيش رغبتهم بوضع حد للاقتتال، والمضي في الحلول السياسية. وفي هذا الإطار، أكّد نائب القائد العام للجيش، الفريق شمس الدين كباشي، في شهر حزيران الماضي، أن القوات المسلحة منفتحة على كل المبادرات الرامية إلى وقف الحرب، مضيفاً أن «الجيش مع الحوار المفضي إلى تشكيل حكومة مدنية»، في ما يدل، بحسب عضو «قوى الحرية والتغيير»، طه عثمان، على أن «كباشي من بين قيادات الجيش التي لديها رغبة في إيقاف الحرب».
مع ذلك، يعتقد اللواء المتقاعد، أسامة محمد أحمد عبد السلام، أن الحديث عن إمكانية قبول البرهان المفاوضات هو «حملة ممنهجة ضد الجيش. وقد دحض ذلك ظهور البرهان وسط الجنود»، معتبراً أن «القوات المتمردة أضاعت فرصة منبر جدة للتفاوض، كما أضاعت فرصة الاستفادة من العفو الذي منحه القائد العام لكل من يسلّم نفسه للجيش».