تسبّب القتال المستمرّ منذ ما يقارب الستة أشهر، بمقتل ما لا يقلّ عن خمسة آلاف شخص
وواجه المبعوث الأممي، منذ تولّيه منصبه في حزيران 2020، معارضة شديدة من عدد من التيارات السياسية، ولا سيما المجموعة التي تطلق على نفسها «التيار الإسلامي العريض»، والتي نظّمت، على خلفيّة تعيينه، عدداً من الوقفات الاحتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة في الخرطوم، مطالبةً بطرد المبعوث الأممي، ومتهمةً إيّاه بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وتجاوز التفويض الممنوح له. ويرى محلّلون أن المبعوث المستقيل لم يوفَّق في مهمّته، وأن الخطوات التي اتّبعها لحلّ الأزمة السودانية هي التي قادت إلى اندلاع الاقتتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع». ويشير هؤلاء إلى أن «الاتفاق الإطاري» الذي وُقّع في كانون الأول الماضي بين القوى المدنية والعسكرية، برعاية البعثة الأممية، «لم يكن قابلاً للتنفيذ على الأرض، ولا سيما بند الترتيبات الأمنية الذى أدّى إلى انفجار الأوضاع واندلاع الحرب».
في الأثناء، تواصلت المعارك في دارفور والخرطوم، ومعها استهداف المدنيين بصورة عشوائية، حيث سقط، أول من أمس، أكثر من 40 قتيلاً في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، نتيجة قصف جوي على ثلاثة أسواق شعبية في المدينة. كذلك، تتواصل انتهاكات قوات «الدعم السريع» في ولاية الخرطوم، حيث يجري ترويع السكان الذين لم يتمكّنوا من مغادرة منازلهم، بهدف إجبارهم على إخلائها. ووفق إفادة عدد من مواطني الولاية، لـ»الأخبار»، فإن هذه القوات لجأت أخيراً إلى اقتياد الشباب بصورة قسرية بهدف تجنيدهم والدفع بهم إلى الخطوط الأمامية في المعارك، بعدما خسرت الكثير من عناصرها منذ بداية القتال في 15 نيسان الماضي. وتسبّب القتال المستمرّ منذ ما يقارب الستة أشهر، بمقتل ما لا يقلّ عن خمسة آلاف شخص، وإصابة أكثر من 12 ألف آخرين، وفق تقرير الأمم المتحدة. كما كشف المبعوث الأممي المستقيل، في إحاطته، عن وجود نحو 13 مقبرة جماعية في مدينة الجنينة والمناطق المحيطة بها في إقليم دارفور، نتيجة هجمات قوات «الدعم السريع» والميليشيات العربية على المدنيين الذين ينتمون في أغلبهم إلى قبيلة «المساليت».
في الموازاة، يعيش السودانيون أوضاعاً معيشية صعبة، سواء في المناطق التي تشهد معارك أو تلك التي لا تزال بعيدة نسبياً من أجواء الحرب، إذ لم يتلقّ معظم موظّفي الدولة رواتبهم منذ خمسة أشهر في ظلّ ارتفاع كبير في أسعار السلع وندْرتها. ونتيجةً لتواصل المعارك، لم تتمكّن فرق المساعدات المحلّية من إيصال المواد الإغاثية إلى العالقين داخل ولاية الخرطوم، حيث يشهد ميناء بورتسودان تكدُّساً للمواد الغذائية والأدوية الطبية، فيما تسعى الحكومة الانتقالية إلى فتح باب الاستثمار الخارجي لسدّ العجز الكبير في خزينة الدولة. وبحسب مصدر ديبلوماسي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن زيارة رئيس «مجلس السيادة»، البرهان، لتركيا، ولقاءه الرئيس رجب طيب إردوغان، هدفت إلى فتح قنوات جديدة لإنعاش الاقتصاد، وخاصة بعد خروج الكثير من المؤسّسات الاقتصادية التي كانت تدعم الخزينة العامّة. وأضاف المصدر إن «من الطبيعي البحث عن دعم، وتطوير التعاون التجاري مع الدول الأخرى بحيث تتمّ عملية تبادل منافع وخلق مبادلات اقتصادية تصبّ في مصلحة الطرفَين بعيداً من الهبات والمنح».