مقالات مرتبطة
هذا الدرس، وما سبقه وما لحق به، يجب أن يكون حاضراً في هذه الأيام لجهة سعي إدارة بايدن إلى عقد صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل بـ«بهارات فلسطينية»
لا أنكر أن تعاطي قيادة الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت مع الوساطة الأميركية نابع من أمرين مهمين:
الأول: أن قوات الثورة الفلسطينية التي حوصرت في بيروت لمدة ثمانين يوماً تحت وابل من القصف الشديد من الأرض والجو والبحر، لم ترد تدمير بيروت العاصمة العربية التي احتضنتها، فيما رفضتها عواصم أخرى، ولم تقف إلى جانبهم في هذا العدوان الكبير عليهم، فرأت أن تلبّي مطالب حلفائها من اللبنانيين الذين وقفوا إلى جانب قوات الثورة الفلسطينية جنباً إلى جنب في كل مراحل القتال، سواء ضد الإسرائيلي أو ضد الانعزاليين.
الثاني: أن قيادة «م.ت.ف» في حينها كانت تسعى إلى نيل اعتراف بها من الولايات المتحدة الأميركية، فرأت في قبول الوساطة مقدمة على طريق نيل الاعتراف هذا، والذي قد يؤسس في فتح قناة اتصال مع الإدارة الأميركية.
لكن أميركا، بعد الخديعة والتنكر والانفكاك من التعهدات التي قطعتها على نفسها، ضربت الجانب الفلسطيني ضربة شديدة، فهل أخذت القيادة الفلسطينية العبرة من هذا الموقف الأميركي؟ الجواب، لا، فقبل هذا الدرس، تلقت القيادة الفلسطينية صفعة أخرى، عندما كادت قيادة منظمة التحرير أن تنجز وساطة ناجحة في الإفراج عن الرهائن الأميركيين الـ 52 الذين كانوا محتجزين في طهران، فاتصل طاقم الرئيس الأميركي المرشح للانتخابات حينها رونالد ريغان بالجانب الفلسطيني، وأبلغه أن يتراجع عن وساطته حتى لا يعطي منافسه الرئيس الأميركي جيمي كارتر نجاحاً يمنع ريغان من الفوز، في مقابل وعد من طاقم ريغان بفتح اتصال مع قيادة المنظمة، بعد فوزه بالرئاسة مباشرة، فصدّقت القيادة الفلسطينية الوعد، وخسر كارتر، وفاز ريغان، ولم يف الأخير بوعده للفلسطينيين.
ومنذ ذلك الحين والتجارب في صدقية الجانب الأميركي تتواصل، وعلى رأسها الضمانات الأميركية التي جرت في كل مراحل التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، والتي لم تفِ الإدارات الأميركية المتعاقبة بأي منها، وخاصة السياسية، والتي كانت تشير إلى ممارسة الضغط المطلوب على كل من يتنكّر لبنود الاتفاقيات، وكل ما قدمته الولايات المتحدة لقيادة الشعب الفلسطيني هو اعتراف هزيل بها، إضافة إلى بعض المساعدات المالية والمشاريع، كما تقدم لأيّ دولة في العالم.
لذا نقول إن درس «صبرا وشاتيلا» الصارخ لم نتعلّم منه إطلاقاً، وما سبقه وما لحقه شكّل إخفاقاً كبيراً للقيادة الفلسطينية في هذا الجانب، فالإدارات الأميركية المتعاقبة التي تسوّق أنها راعية للسلام، كانت ولا تزال الحاجب الأساسي الذي يمنع إسرائيل من تلبية متطلبات الحل السياسي القائم على العدل، وأن سياسات الولايات المتحدة باقية ومتواصلة وعميقة مع تقلب الرئاسات والإدارات على مرّ السنين والعقود.
وهذا الدرس، وما سبقه وما لحق به، يجب أن يكون حاضراً في هذه الأيام لجهة سعي إدارة بايدن إلى عقد صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل بـ«بهارات فلسطينية» بهدف تعزيز فرصة بايدن وحزبه الديموقراطي في الفوز بجولة ثانية في الانتخابات الأميركية.