الخرطوم | في وقت تستمرّ فيه الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، وسط تقديراتٍ أوردها مركز «ستراتفور» الاستخباري تفيد بأن قوات «الدعم السريع» باتت تسيطر على غالبية العاصمة، وتحاصر مقرّ قيادة الجيش هناك، عاد الهدوء إلى مدينة بورتسودان شرقيّ البلاد، بعد اشتباكات محدودة في حي ديم نور بين الجيش وقوات «تحالف حركات وأحزاب شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، أعقبت قيام الأخيرة بوضع حواجز في طرقات المدينة لتفتيش شاحنات قادمة من موانئ البحر الأحمر. ويرى الصحافي المقيم في بورتسودان، عبد القادر باكاش، أن تلك الاشتباكات «لا تنفصل عن مجمل أحداث السودان الجارية وسط حالة الفلتان الأمني»، موضحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قوات التحالف لأحزاب مؤتمر البجا، بقيادة شيبة ضرار، قامت بوضع حواجز على أحد الطرق الداخلية للمدينة، وتفتيش الشاحنات الكبيرة بحجّة البحث عن مخالفات، ولكنّ الحكومة تعاملت معها بحكمة وأزالت سوء التفاهم بين الجيش وقوات ضرار» التي انسحبت، كما قال، من أماكن انتشارها. ويصف باكاش الأخيرة بأنها «ميليشيا محلية غير مدعومة سياسياً أو من أيّ جهة دولية»، متوقّعاً «ألّا تنخرط في مواجهة الجيش على عكس ما تفعله قوات الدعم السريع المدعومة إقليمياً ودولياً».لكن الخبير العسكري، علي ميرغني، يحذر من أن «تأخّر الجيش في حسم الوضع في بورتسودان سيجعل وضع المدينة مشابهاً لما يحصل في الخرطوم». ولا يستبعد ميرغني، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تتحوّل الاشتباكات بين الجيش وقوات ضرار إلى قتال قبلي، خاصة وأن ولايات الشرق الثلاث، البحر الأحمر وكسلا والقضارف، مرشّحة لمشكلات قبلية»، مستشهداً بـ«حدوث مشكلات سابقة بين إثنيات من ولايات الشرق وأخرى قادمة من مناطق سودانية أخرى». ويشدّد على «أهمية استفادة الحكومة من درس قتال الخرطوم، وذلك بحسم أيّ انفلات أمني في مهده»، داعياً إلى «دمج قوات حركات دارفور المسلّحة في الجيش أو الشرطة، أو في حال الإخفاق في ذلك، نزع سلاحها لإنهاء تعدّد الجيوش الذي يعني انهيار الدولة».
تمثّل بورتسودان، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، العمق الإستراتيجيّ لصادرات السودان إلى الخارج


من جهته، يقلّل المتخصّص في النزاعات، آمين مجذوب، من أهمية التطورات الأخيرة في بورتسودان، عازياً إياها إلى «عدم وجود تنسيق في حفظ الأمن في المدينة»، ومستبعداً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تؤثّر في مجمل الأوضاع الأمنية في ولاية البحر الأحمر وولايات الشرق». ولكنّ الكاتب أبو فاطمة أنور، وإنْ يستبشر بـ«انتهاء الاشتباكات الأخيرة من دون خسائر في الأرواح والعتاد»، فهو يشدّد على ضرورة أن «تكون قوات شيبة جزءاً من الجيش، وليست ندّاً له أو خصماً»، معتبراً أن «الوضع الاستثنائي في البلاد يُوجب من شيبة ضرار تأجيل القضايا جميعها إلى ما بعد انتهاء الحرب القائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع». والجدير ذكره، هنا، أنه بعد إطاحة نظام عمر البشير في 2019، انفردت قوات شيبة ضرار بالساحة في بورتسودان، وأصبحت تمثّل رديفاً للجيش بشرعية الأمر الواقع. وفي أعقاب الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول 2021، ظهر ضرار، الذي يمثّل أحد أبرز قيادات الإدارة الأهلية في ولاية البحر الأحمر، بين قواته في عدّة مقاطع مصوّرة، معلناً تأييده للانقلاب.
أعلن ضرار، في تموز الماضي، استعداده لتجهيز الآلاف من المقاتلين لمواجهة قوات «الدعم السريع» في الخرطوم ودارفور وكردفان. ولكنه بعد أحداث ديم النور في مدينة بورتسودان، وجّه انتقادات حادّة إلى مسؤولين حكوميين انتقلوا إلى المدينة، فيما تسود الخشية من تمدّد النيران من الخرطوم إلى شرق البلاد، وتعلو المطالبات الموجَّهة إلى السلطات المختصة وقوات ضرار بالتنسيق الكامل، منعاً لحصول أيّ اشتباكات عسكرية أخرى مستقبلاً. وتمثّل بورتسودان، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، العمق الإستراتيجيّ لصادرات السودان إلى الخارج. كما أصبحت العاصمة الإدارية للدولة ومقرّات السفارات، قبل أن ينتقل قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في 26 آب الماضي، إليها، لممارسة مهماته من هناك.