الخرطوم | أعلنت الحكومة السودانية رفضها التام مشروع قرارٍ طرحته بريطانيا وأيّدته الولايات المتحدة وألمانيا والنرويج، أمام «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، لتشكيل لجنة تقصٍّ حول الانتهاكات ضدّ المدنيين من قِبل طرفَي النزاع، الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، منذ بداية الحرب في نيسان الماضي. وفي المقابل، أبدت الأخيرة استعدادها لـ«المشاركة» في «المشروع» الذي كان قوبل بتفاعل كبير من قِبل ذوي الضحايا و«منظمات المجتمع المدني» والحقوقيين والأحزاب السودانية، الذين يتّهمون الطرفَين باستهداف مناطق مدنية بغارات قُتل على إثرها عشرات المدنيين. وعلى هذه الخلفية، تحوّل المشروع المذكور إلى مادّة «دسمة» تقاذف من خلالها طرفا النزاع المسؤولية عن الجرائم التي أودت بحياة نحو «7500 شخص بينهم 435 طفلاً على الأقل»، بحسب منظمة «أكليد» غير الحكومية والأمم المتحدة، في حصيلة يرجّح أن تكون أقلّ بكثير من عدد الضحايا الفعلي منذ اندلاع المعارك التي تركّزت في الخرطوم وإقليم دارفور غرب البلاد. وفي تفاصيل مشروع القرار، فإنه يطالب بتشكيل بعثة دولية من ثلاثة أعضاء للتحقيق في الجرائم، وتحديد هوية الأفراد والكيانات المسؤولة عن انتهاكات أو تجاوزات لحقوق الإنسان أو انتهاكات للقانون الدولي لهذه الحقوق، بغية ضمان محاسبة المسؤولين عنها. كما تضمّن تقديم توصيات بشأن تدابير المساءلة، بهدف وضع حدّ للإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة بما فيها المسؤولية الجنائية الفردية، وضمان وصول الضحايا إلى العدالة.
وفي أول ردّ رسمي للسودان، أصدرت وزارة الخارجية بياناً أعلنت فيه رفضها التام لمشروع القرار البريطاني، واصفة إيّاه بأنه «يفتقر إلى الموضوعية والإنصاف لأنه يساوي بين القوات المسلحة والدعم السريع»، لافتةً إلى أن ذلك «يحدث في الوقت الذي يواجه فيه السودان حرباً تستهدف وحدته واستقلاله وأمنه واستقراره، تشنّها ميليشيا تضم أعداداً مقدّرة من المرتزقة من بعض دول المنطقة في الإقليم وتدعمها دوائر خارجية معلومة»، بالإشارة إلى «الدعم السريع». وقالت الخارجية إن مشروع القرار يأتي في سياق «تحامل على القوات المسلحة السودانية»، إذ إنه «لم يراعِ الأولويات الحقيقية للسودان في هذه المرحلة وهي إنهاء التمرد أولاً، وإيقاف الفظائع المستمرة»، مضيفة أن الجرائم «لم تقابل حتى الآن بما تستحقّه من إدانة وسعي لإيقافها من قبل بعض القوى الغربية المؤثّرة».
وزارة الخارجية: مشروع القرار «لم يراعِ الأولويات الحقيقية للسودان في هذه المرحلة وهي إنهاء التمرد أولاً، وإيقاف الفظائع المستمرة»


وعزا المحامي والناشط الحقوقي، عثمان البصري، ذلك الموقف إلى تخوّف الجيش السوداني من إحالة ملف جرائم الحرب في الخرطوم وولايات كردفان إلى ولاية «المحكمة الجنائية الدولية». وأوضح البصري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لجنة التقصي الدولية حول الانتهاكات ضد المدنيين ستكون شبيهة باللجنة التي كان يترأّسها أنطونيو كاسيس التي حقّقت في جرائم حرب دارفور، وبناءً على تقريرها تمّت إحالة ملف قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية».
 بدوره، قال المتحدث الأسبق باسم القوات المسلحة، الصوارمي خالد سعد، إن «الجيش السوداني لديه أدلته وبياناته حول الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع». واستبعد سعد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن يعترض الجيش على أعمال اللجنة الدولية و«ذلك لعدم قيام أفراد الجيش بتلك الانتهاكات بحق المدنيين»، محمّلاً «قوات الدعم السريع كامل المسؤولية عن الانتهاكات وقتل وتشريد المدنيين من منازلهم». وفيما كانت «الدعم» تنفي اتهامات مراقبي الصراع وجماعات حقوق الإنسان لها بالضلوع في هجمات ضدّ المدنيين، وتقول في الوقت نفسه إن أيّ جندي من جنودها يثبت تورّطه سيُقدّم للمثول أمام العدالة، دافع مستشار قائدها للمكاتب الخارجية، إبراهيم مخير، في تصريح إلى «الأخبار»، باستعداد قواته لـ«المشاركة في أي تحقيق دولي أو محلي حول الانتهاكات والمآسي التي تعرّض لها السودانيون».