غزة | لم يستوعب جيش الاحتلال الصفعة التي تعرّضت لها قواته الخاصة على محور البلاونة في مخيم طولكرم، فبعد أن اضطرّ أمام ضغط الدلائل المادّية الملموسة والمقاطع المصوّرة، إلى الاعتراف بإصابة خمسة جنود، جروح ثلاثة منهم بالغة الخطورة، بدأ المحلّلون العسكريون الإسرائيليون يقدّمون سيناريوات متخيّلة للشاكلة التي حصل فيها الحدث، فيما اتّهم آخرون قيادة العملية بالتقصير في توفير الحماية اللازمة للجنود. وفي أول السيناريوات التي تداولتها وسائل الإعلام العبرية على نحو واسع، ورد أن أحد الجنود ألقى قنبلة يدوية تجاه مجموعة من المقاومين، وقبل أن تنفجر فيهم، بادر مقاوم بالتقاطها وإعادة رميها تجاه مجموعة مقابلة من الجنود، حيث انفجرت فيهم وتسبّبت في إصابة خمسة منهم، ليطلق مقاوم آخر زخّات من الرصاص نحو الجنود المصابين، ثمّ ينسحب من المكان. أمّا الرواية الأكثر غرابة، فقد نشرها المحلّل العسكري، يواف زيتون، إذ زعم أن عميلاً فلسطينياً تدخّل في وقت حسّاس، وبادر بركل قنبلة يدوية ألقاها مقاومون فلسطينيون تجاه الجنود، ما تسبّب في تخفيف عدد الإصابات والقتلى، بعدما كان من المفترض أن تنفجر القنبلة في وسط الجنود تماماً.وبينما ألقى الصحافي في «القناة الـ14» العبرية، هيلل بيتون، اللوم على قيادة جيش العدو، كونها قصّرت في تدعيم القوات المهاجمة بالطائرات المسيّرة بما يضمن حمايتها، نشرت «كتيبة طولكرم» التابعة لـ«سرايا القدس» صوراً لما خلّفه جنود الاحتلال من معدّات وأجهزة اتصال، بالإضافة إلى مشاهد أخرى لآثار الدماء. كما وزّعت «السرايا» بياناً مشتركاً مع «كتائب شهداء الأقصى - وحدات الرد السريع»، أكدت فيه أن قوة من جيش العدو وقعت في شراك كمين أُعدّ سلفاً. كذلك، نشر مواطنون مقاطع مصوّرة توثّق محاولة جنود الاحتلال إسعاف أحد زملائهم الجرحى.
كمين طولكرم، في مدلولاته العسكرية، لا يقلّ أهمية عن تفجير ناقلة النمر في جنين في 20 حزيران الماضي


من وجهة نظر عسكرية، إن جيش العدو حاول «تسخيف الحدث والتكتّم على خسائره البشرية قدر المستطاع، لكن امتلاك المقاومين للدلائل المادّية مثل متعلّقات الجنود القتلى والجرحى وهواتفهم، وآثار الدماء، أجبرهم على الاعتراف»، وفقاً لما يقوله الباحث السياسي، مجد ضرغام، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الاحتلال يتبع منهجية إعلامية موحّدة في التعاطي مع عمليات المقاومة المؤثّرة، وهي تسخيف أيّ إنجاز، والتكتّم على أعداد القتلى والإصابات، لأن الإعلان الصادق عن الخسائر البشرية يهزّ الروح المعنوية للجنود، ويحرج المؤسّسة الأمنية أمام الجمهور الداخلي، ويفتح المجال أمام المعارضين لتوجيه الانتقادات إلى الائتلاف اليميني المهزوز أساساً (...) وفي المقابل، يرفع الروح المعنوية لخلايا المقاومة، ويعزّز قناعة الشارع بجدوى هذا الخيار في زيادة تكلفة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة».
في دوره، يرى المحلّل السياسي، عمرو الخضري، أن المقاومة استطاعت أن تثبّت، في المرحلة الأخيرة، معادلة المقاومة الدفاعية في شمال الضفة، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «ضربة طولكرم برهنت أن الحالة الثورية في شمال الضفة تثبّت أقدامها وتتصاعد بوتيرة مناسبة جدّاً لحجمها... وتحاول التركيز على القدرات الدفاعية لحماية هذه النواة من الاجتثاث، وعلى رفع تكلفة المخطّطات الإسرائيلية ضدّها وإجهاضها (...) كمين طولكرم في مدلولاته العسكرية، لا يقلّ أهمية عن تفجير ناقلة النمر في جنين في 20 حزيران الماضي، وهو يؤكد أن الحالة الثورية في طولكرم، تسير بخطى متسارعة لاستنساخ حالة جنين». ويعتقد الخضري أن حدّة المقاومة في الضفة «تُبقي باب الأمل مفتوحاً بوجود لاعب فاعل في المشهد، ينشط في أشدّ البيئات خصوصية في الفهم الأمني والعقائدي والسياسي الإسرائيلي، ويؤدي دور عرقلة مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية كلّها وإنهائها».