القاهرة | كان العالم العربي أول من أمس على موعد مع هجومين مباغتين على العدو الإسرائيلي، أولهما كانت عملية «طوفان الأقصى» التي استهدفت بالصواريخ عدداً من مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، أعلنت «كتائب القسام» مسؤوليتها عنها، فيما استطاع عناصر من «كتائب القسام» الوصول إلى عدد من مستوطنات إسرائيلية وأسروا عدداً كبيراً من الإسرائيليين، وهذا ما كان مفاجئاً للجميع وأعاد إلى الأذهان صور الأسرى الإسرائيليين في حرب أكتوبر، إذ جاءت العملية بعد ذكراها بيوم واحد. أما ثاني الوقائع، فكان قيام فرد أمن مصري في محافظة الإسكندرية أمس الأحد، بإطلاق النيران من سلاحه الشخصي في أثناء تواجد فوج سيّاح إسرائيليين، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم.
«الثورة» (زيت على كانفاس ـــ 1977) للفنان الفلسطيني سليمان منصور

منذ إعلان عملية «طوفان الأقصى» ومواقع التواصل الاجتماعي غارقة في طوفان من تعليقات المثقفين والفنانين المصريين في ما يشبه الاحتفالية الإلكترونية بما فعله الشباب من «كتائب القسام» في فلسطين ضد المحتل الإسرائيلي. استحضر عدد كبير من المثقفين المصريين صورة الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة (استشهدت برصاص الاحتلال في عام 2022) وهي تقول في تغريدة «بدها طول نفس... خلي المعنويات عالية» التي نشرتها في 11 أيلول (سبتمبر) 2021، أثناء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. أدت عملية «طوفان الأقصى» أيضاً إلى استحضار آخرين صورة المجند المصري محمد صلاح، الذي تسلّل عبر الحدود في بداية حزيران (يونيو) من العام الحالي (في أثناء عمله في قوّات حرس الحدود المصري) وإثر اشتباك مع قوات إسرائيلية، قُتل ثلاثة جنود إسرائيليين، كما استشهد محمد صلاح نفسه في الاشتباكات.
الكاتبة والروائية مي التلمساني نشرت بدايةً خرائط وعلقت عليها بالإنكليزية، متوجهةً إلى متابعيها من كندا حيث تعيش لكي تعرّفهم إلى ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وقالت إنّ ما يحدث في غزة الآن هو نتيجة أعوام من الاحتلال والحرب والقتل الممنهج للفلسطينيين. وهاجمت التلمساني من يعدّون ما تفعله حركة حماس «إرهاباً»، متسائلة: «هل أصبح عنف دولة مستعمِرة على مدار عقود فجأة مسألة وجهة نظر؟».
أما الروائي عزت القمحاوي، فقال إن «المقاومة حق مشروع للشعوب المحتلة» وإنّ «القضية الفلسطينية خسرت وتأخرت بسبب المحيط العربي»، معتبراً أن هذه حقائق لا نقاش فيها إذا كان هناك من يؤيد العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال أو من يرفضها خوفاً من رد الفعل الإسرائيلي.

الروائي والسيناريست عبد الرحيم كمال سجّل فرحته بالعملية أكثر من مرة، وعدّ أنّ ما حدث من الفلسطينيين «في الصالح جداً ونعمة كبيرة». وأضاف أنّها «عملية عظيمة في أيام عظيمة»، متابعاً «عاش أهالينا الفلسطينيون، وثبتهم الله ونصرهم نصراً عزيزاً». ونشر السيناريست والكاتب، بلال فضل، علم كيان الاحتلال ممزقاً، وعلق عليه بأنه طالما ليست هناك عدالة، فليس هناك سلام.
الكاتب والصحافي إبراهيم عيسى كتب «كلّنا فلسطينيون»، كما علقت الكاتبة والناقدة منى أنيس، متحدثة عن التغطية الإخبارية من القنوات العربية لعملية «طوفان الأقصى» وكيف أن قنوات غربية تفوقت في التغطية على هذه القنوات العربية، خصوصاً بعدما توقفت الأخيرة عن متابعة الحدث بصورة مباشرة من دون التعليق عليه من محللين يشرحون كيف وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم، وكيفية إنجاز الفلسطينيين لهذه العملية النوعية. ولخّصت تعليقاتها في النهاية بأنّ «هذا لم يحدث منذ وقت طويل، والمجد للمقاومة والخلود للشهداء».
تزامناً مع أخبار العملية العسكرية لكتائب القسام وقبلها بيوم، أي في ذكرى انتصار أكتوبر في مصر، بدأ الروائي حجاج أدول نشر صوره مع مقاتلي عمليات حرب الاستنزاف والعبور، قائلاً إن عملية «أبطال غزة» - هكذا أطلق عليها - ضد الاحتلال الإسرائيلي مناسبة مهمة لتذكر تلك الصور والذكريات مع أبطال أكتوبر.
الشاعرة والمترجمة ضي رحمي احتفلت بـ«طوفان الأقصى» ونشرت عدداً من الفيديوات عن الأسرى في أيدي الشباب الفلسطينيين، وكذلك منشورات لأشخاص من فلسطين يتحدثون عن العملية، وكان من ضمن منشوراتها تأكيدها أن الشعب الفلسطيني اعتاد الرد «العنيف» من العدو الإسرائيلي، ولذلك لا يهم ما يحدث عقب العملية. وعدّت في آخر منشوراتها أنّ «المسـألة ليست مجرد اندفاع عاطفي ومراهقة ثورية» رداً على تعليقات كثيفة انتشرت لأشخاص يتحدثون فقط عن كون الاحتلال الإسرائيلي سيرد بقوة على عملية «طوفان الأقصى».
الأكاديمي والروائي عز الدين شكري ناقش في تعليقه مسألة الرد الإسرائيلي على العملية، قائلاً: «تاريخياً لا يوجد رئيس وزراء إسرائيلي لم يرد بقسوة على هجوم مماثل»، معتبراً أن الرد سيكون «أشد» مما حدث في سنوات سابقة. لكن فشير - أكاديمي مقيم في أميركا وديبلوماسي سابق عمل في الخارجية المصرية ــ رأى أنّ فلسطين لن تستسلم للاحتلال أو تقبل الاستيلاء على حقوقها.
لا تزال المؤسسات الثقافية الكبرى في مصر ترفض التطبيع مع إسرائيل على أي نحو


وأصدرت نقابة الصحافيين المصرية أمس الأحد بياناً تضامنياً مع الصحافيين الفلسطينيين، ونعى البيان الصحافي الفلسطيني الشهيد محمد الصالحي والمصور الصحافي إبراهيم لافي اللذين استشهدا برصاص قوات الاحتلال وسط قطاع غزة. وحمّلت النقابة سلطات الاحتلال المسؤولية عن مقتلهما، وكررت دعمها الكامل للشعب الفلسطيني وحقوقه في المقاومة والرد على الاحتلال الإسرائيلي بالوسائل المشروعة كلها.
الفنانون المصريون علقوا على العملية الفلسطينية أيضاً. كتبت الفنانة المصرية شيريهان منشوراً طويلاً على منصة «إكس» عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه بفئاته جميعها، ما دام يتعرّض لإرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال «تحرق أراضيهم وأملاكهم ومنازلهم وتجبرهم جبراً على التهجير من منازلهم وغيرها من الأفعال التي تحقن القلب وتحرقه وتعدم الثقة وتقتل الأمل في أي مستقبل... حصار وذلّ وهوان». وتساءلت شيريهان عن القانون الدولي، معتبرة أن انفجار الفصائل الفلسطينية في وجه جرائم الاحتلال «ردة فعل نتيجة لاحتقان وظلم طالا في قلب الشعب الفلسطيني كله». وأنهت الفنانة منشورها بالدعاء للفلسطينيين وأهل القدس.


ودعت الفنانة حنان ترك لأهل فلسطين «بسداد رميهم ومباركة سعيهم». أما المطرب محمد محسن، فقال إنّها «أيام مفترجة وأن قلوبنا - كمصريين - مع أهل فلسطين الحبيبة»، ثم أردف بمنشور ساخر يقول: «نحن كعرب بشكل عام يكون خلقنا - طريقة تعاملنا - ضيق في شهر أكتوبر». وأعلن فنانون آخرون عن تضامنهم مع عملية «طوفان الأقصى»، أمثال المطرب أحمد جمال والفنانة بشرى رزة وحلا شيحا.
وحتى الآن لا تزال المؤسسات الثقافية الكبرى في مصر، مثل نقابة الصحافيين ونقابة الممثلين، ترفض التطبيع مع إسرائيل على أي نحو، وتمنع أعضاءها من التعاون مع أي جهة إسرائيلية لأي سبب كان، وتحقّق النقابات دائماً مع أي عضو يخالف هذه التعليمات.