رام الله | لم تكد المقاومة في قطاع غزة تعلن انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، حتى كانت الضفة الغربية المحتلة قد دخلت على خط المواجهة، الذي لم تغادره أصلاً منذ عام ونصف عام. هكذا، لم تتأخّر مدن الضفة وبلداتها كثيراً في إسناد المقاومة في غزة، إذ سرعان ما زادت من حدّة الاشتباك، فيما عمّ الإضراب الشامل، منذ صباح أمس، مناحي الحياة كافة تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، بما في ذلك المدارس والجامعات والمحالّ التجارية والأسواق والبنوك. وبالتوازي مع ما تَقدّم، اشتعلت العشرات من نقاط المواجهة، ليرتقي في أقلّ من 12 ساعة 7 شهداء، كان آخرهم الشاب أحمد عاطف عواودة (19 عاماً)، أحد قادة «كتيبة جنين»، الذي استشهد بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً قرب دير شرف بين مدينتَي جنين ونابلس. وعواودة، الذي ينحدر من مدينة الخليل، كان قد نفّذ قبل أشهر عملية فدائية قرب الخليل، أصيب فيها 3 جنود من جيش الاحتلال، ومن ثمّ انتقل للعيش والتحصّن في مخيم جنين، الذي أوصى بأن يدفن في مقبرة الشهداء التي يحتضنها. ويُعَدّ عواودة الشهيد السابع في الضفة منذ انطلاق «طوفان الأقصى»، بعد سقوط شهداء آخرين موزّعين على مختلف المدن والمناطق وهم: محمود اخميس (18 عاماً) من بلدة بيت أمر، يوسف إدريس (19 عاماً) من الخليل، الطفل أحمد رابي (13 عاماً) من قلقيلية، كرم العايدي (22 عاماً) من مخيّم عين السلطان في أريحا، محمد جربوعة (24 عاماً) وعمرو عابد (18 عاماً) من بلدة بيتونيا. وانضمّ إلى هؤلاء، أمس الأحد، ستة شهداء، خلال مواجهات في مناطق متفرّقة في الضفة المحتلة.وعلى وقع هول المفاجأة التي وصلت إلى حدّ الصدمة ممّا جرى صباح السبت في مستوطنات «غلاف غزة»، خرجت مسيرات احتفالية عسكرية وغير عسكرية في مراكز المدن الفلسطينية. أما مظهر التضامن الأبرز فجاء على شكل مواجهات واشتباكات مسلّحة وعمليات للمقاومة في مناطق متفرقة من الضفة، حيث دوّت أصوات انفجارات الصواريخ التي وصلت إلى القدس المحتلة، وبعض مستوطنات الخليل ورام الله. وفي السياق، أفاد «مركز معلومات فلسطين» (معطى) بـ«رصد 178 عملاً مقاوماً وثلاث إصابات في صفوف الاحتلال في الضفة منذ بدء طوفان الأقصى». أما في القدس، فتكرّر المشهد الذي تجسّد لدى انطلاق عملية «سيف القدس»، إذ ما إن رفع الفلسطينيون هتافاتهم تعبيراً عن فرحهم وتأييدهم للمقاومة وقادتها، داخل البلدة القديمة ومحيطها وعلى أبواب المسجد الأقصى، حتّى شهد المسجد هروب «جحافل» المستوطنين من ساحة البراق، على وقع سقوط الصواريخ، التي تبعها تهليل المقدسيين وتكبيرهم. وعلى إثر ذلك، رفعت قوات الاحتلال من حالة التأهب والاستنفار، فارضةً حصاراً مطبقاً على القدس، ومحوّلةً إياها إلى ثكنة عسكرية، وناصبةً الحواجز العسكرية بين المدن والبلدات، بالتزامن مع مواجهات عنيفة اندلعت في مواقع متفرقة من الضفة بين عشرات الفلسطينيين وجيش الاحتلال.
تفجّر المقاومة في الضفة الغربية على نحو واسع سيخلق سيناريو رعب للمستوطنين، تدرك إسرائيل خطورته وما يرتّب عليها من أعباء إضافية


وتنوّعت أعمال المقاومة ما بين 37 عملية إطلاق نار، و19 حالة إلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية، و96 حالة اندلاع مواجهات وإلقاء حجارة، و5 حالات إحراق وتحطيم لمواقع عسكرية، و13 مسيرة لدعم المقاومة، وواقعتَي إطلاق عبوات ناسفة، وحادثة طعن ومحاولة دهس، وتصدٍّ للمستوطنين. وفي العمليات النوعية، أصيب جندي في اشتباك مسلّح في منطقة الأغوار في أريحا، فيما سُجّلت 5 عمليات إطلاق نار في مدينة جنين، توزّعت على حاجز «الجلمة» وحاجز «دوتان» ومستوطنة «شاكيد»، وقرب «فتحة» بلدة مقيبلة وفي بلدة عربونة. كما أصيب مستوطن في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة «بسغات زئيف»، ووُثّقت محاولة طعن قرب التلة الفرنسية، ووقع اشتباك مسلح على حاجز مستوطنة «شافي شمرون» شمال غرب نابلس. كذلك، استهدفت عملية إطلاق نار قوات الاحتلال خلال المواجهات في باب الزاوية، ووقع إطلاق نار على مستوطنة «كريات أربع» في الخليل، وآخر على حاجز «بيت فوريك» ومستوطنة «ألون موريه»، وثالث على جنود العدو قرب قصرى وعند حاجزَي «شوماش» و«حومش» في نابلس. يضاف إلى ذلك، إحراق نقطة عسكرية في حوارة، وتدمير مركبة عسكرية في بيتا، فضلاً عن إطلاق نار على حاجز «نتساني عوز» ومستوطنة «بيت حيفر»، وتفجير عبوة ناسفة في الشويكة في طولكرم، وإطلاق نار على حاجز قلنديا وحاجز شعفاط، وإحراق مركز شرطة للاحتلال في جبل المكبر، وإطلاق النار على جنود العدو ومستوطنيه قرب بلدة ياسوف في سلفيت.
وفيما تُعَدّ الضفة الغربية الخاصرة الأكثر ضعفاً في جسد الاحتلال، فإن تفجّر المقاومة فيها على نحو واسع، ومشاركة عدد كبير من المقاومين في الاشتباك الممتدّ على أراضيها، سيخلق سيناريو رعب للمستوطنين، تدرك إسرائيل خطورته، وما يرتّب عليها من أعباء إضافية، في مقابل تخفيفه الضغط عن المقاومة في غزة. ولا شكّ في أن الأخيرة تدرك هذه المعادلة، وستعمل على توسيعها في الساعات والأيام المقبلة. ولعلّ ممّا دلّ على ذلك، دعوة قادة «حماس»، في خطاباتهم، إلى مشاركة الضفة في «الطوفان»، ولا سيّما قول نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن تأجيج المقاومة في الضفة، إن «الضفة الغربية هي كلمة الفصل في هذه المعركة، وتستطيع أن تفتح اشتباكاً مع كل المستوطنات، ونهيب بأبناء شعبنا أن يشاركوا في معركة طوفان الأقصى».
على المستوى السياسي، كان لافتاً تحرك الإدارة الأميركية مع بدء معركة «طوفان الأقصى»، من خلال جولة اتّصالات أجراها وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي دعته إلى العمل على استعادة الهدوء والاستقرار في الضفة، ومنع أيّ تصعيد ضدّ إسرائيل هناك.