يستمرّ الانقسام في الإعلام اللبناني منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» مع أولى ساعات السبت الماضي، بين إعلام تابع لمحور المقاومة يغطّي الأخبار لحظة بلحظة، وآخر مهيمن يتخبّط في طريقة نقلها، رغم أنّه أُجبر على تغيير لهجته تماشياً مع الضرورات وتجنّباً للانتقادات. لهجة ظهرت أولى ملامحها قبل أسبوع من المجزرة التي وقعت خلال احتفال تخرّج ضبّاط في الكلية الحربية في حمص، إذ لم يتوانَ عن الإشارة إلى المرتكبين المحتملين بمَن فيهم الجماعات الإرهابية والولايات المتّحدة والكيان الصهيوني. هكذا، انكبّت «المنار» وNBN على النقل المباشر، فيما خصّصت LBCI و«الجديد» معظم نشراتهما لنقل مجريات الأحداث، وهو ما كان لافتاً وخصوصاً من جانب الأولى، التي اعتمدت خلفية في الاستوديو كُتب عليها باللون الأحمر المشعّ «المواجهة». أمّا «الجديد» فهي أساساً لم تتوقّف عن إظهار دعمها للقضية الفلسطينية رغم انتقالها إلى صفّ مؤيّدي الغرب في السنوات الأخيرة، على طريقة «الجزيرة». يؤخذ على «الجديد» أيضاً نشرها مشاهد مزعجة من دون تحذير أو «تغبيش».لكنّ «الإبداع» كان كما العادة من حصّة «تلفزيون المرّ». عدا عن طريقة mtv المثيرة للجدل في نقل الأخبار والزعم بأنّ الحرب ليست حرب لبنان رغم أنّها تُخاض على العدوّ الذي احتلّ لبنان ولا يزال، وهو ذاته الذي جزّر ونكّل بأبنائه وسرق موارده واستباح أمنه ومنع تسليح جيشه ومنع عنه جرّ الطاقة وأغلق وكالة فضائه، قرّرت القناة فوق ذلك ركوب قطار التهويل والشائعات. مع احتدام الوضع على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، بدأ التحريض على المقاومة وتنميط أهل الجنوب والكلام عن لسانهم بطريقة استعلائية كأنّهم لا يعرفون التعبير عن أنفسهم، وهو ما ظهر على نحو خاصّ على السوشال ميديا، قبل أن تمسك وسائل إعلامية الشعلة وتطلق الشائعات بنفسها، مع أنّها يُفترض وجودها لكبح جماح الشائعات وبثّ الأخبار الموثوقة، وكانت mtv على رأس هؤلاء. وأبرز الأخبار الكاذبة كان مع نشر صفحات عدّة، بما فيها صفحة mtv، صورةً لزحمة سير خانقة مدعيةً أنها نتيجة نزوح أهل الجنوب هرباً من التطوّرات على الحدود. لا يستدعي التدقيق الكثير من المجهود، فمجرّد إلقاء نظرة على خرائط «غوغل» كان كفيلاً بتأكيد ألّا زحمة. أكثر من ذلك، يمكن استخدام الصورة على غوغل نفسه للبحث عن مصدرها، وهي تعود لمقال نشرته صحيفة «النهار» في 16/3/2021 تحت عنوان «بالصور والفيديو – حفلة الجنون تتواصل... الزحمة مرعبة على طريق الدامور-الناعمة». لم تكتفِ mtv بالكذب، بل استخدمت صورة من مكان وزمان مختلفَين، كأنّها تستخفّ بعقول متابعيها، ولم تهتمّ حتّى للتعليقات التي هاجمتها بقوّة. في سياق متّصل، انتشرت مقاطع لمسيرة سيّارات إسعاف تجول في صيدا تضامناً مع سيّارات الإسعاف الفلسطينية التي تعرّضت للقصف في غزّة، لكنّ محبّي بثّ الشائعات أرفقوها بخبر كاذب مفاده أنّها تتجّه إلى الحدود لتقديم الإسعافات لمصابين مفترضين. أمّا الأسوأ فكان نشر موقع «السياسة» على صفحاته مقطعاً قديماً لبعض مناصري «حزب الله» وإرفاقه بعنوان «مناصرون للحزب في الطيونة محاولين الدخول إلى عين الرمّانة»، ولم يزله رغم الانتقادات، فمَن يحاسب مواقع متفلّتة وما تقوم به من تحريض وبثّ للفتنة بين أبناء الشعب الواحد؟
انحازت «فرانس 24» و«دويتشه فيله» و«سي أن أن» إلى الكيان الصهيوني


صحيفة «النهار» بدورها سخّرت صفحاتها في الأيّام الماضية لتنصّب نفسها شبه ناطق باسم العدوّ، فنقلت أخباراً ونسبتها إلى «الجيش الإسرائيلي» مثلاً. غير ذلك، كانت مواقع التواصل الاجتماعي ملاذ المؤيّدين للقضية الفلسطينية الذين احتفلوا بكثافة بإنجازات «طوفان الأقصى» وفشل العدوّ الأمني والاستخباري، فيما استغلّها الإعلام العالمي لحصد التأييد للكيان المحتلّ وتصويره على أنّه الضحية، وهو ما انجرّ وراءه أيضاً عدد ضخم من المشاهير ممّن أشهروا تأييدهم للكيان، فانتشرت لوائح بأسمائهم تدعو إلى مقاطعة صفحاتهم، ومواجهتهم بنفاقهم، هم الذين أشهروا تأييدهم لأوكرانيا على مدى سنتَين. كذلك وثّق كثر جرائم العدوّ المتمادية. وكما هي العادة على هذه المواقع، انتشرت صوَر ومقاطع بطريقة عشوائية من دون حسّ إنساني ومعايير أخلاقية.
وفي ما يتعلّق بالإعلام العالمي، فقد احتلّت الأحداث البثّ المباشر ونشرات الأخبار على قنوات عالمية كثيرة، بعضها التزم «الحياد» مثل «الجزيرة» القطرية و«العربية» و«الحدث» السعوديّتَين و«سكاي نيوز عربية» الإماراتية وRT الروسية وحتّى BBC البريطانية في بعض الأحيان، فيما البعض الآخر انحاز لمصلحة الكيان المحتلّ، وأبرز هؤلاء France 24 الفرنسية وDW الألمانية وCNN الأميركية وغالبية القنوات الأميركية الأخرى. وكان لافتاً تحدّث RT بلغة أقرب إلى الفلسطينيّين على قناتها العربية، فيما فتحت المجال لإسرائيليّين على قناتها الإنكليزية لإبراز «وجهة نظرهم» وحتى ادّعاء المظلومية. أمر بدا للمشاهدين كأنّه تخبّط في أداء المحطّة التي «ضاعت» بين الدفاع عن الحقّ والموضوعية، ففضّلت الديماغوجية التي تشكّل لطخة في سجلّها الناصع بفضح جرائم الغرب الاستعماري وأدواته.