تساهم الأغاني الثورية الحماسية، وخاصة في وقت الحروب والمعارك، في التعبير عن مشاعر وأحاسيس الناس، بما تبثّه من روح التحدي والمقاومة في صفوف الأوساط الشعبية، كما أنها تؤدي دوراً عاطفياً بالنظر إلى تلقائيّتها وبساطتها وارتباطها بمواقف حقيقية تعبّر عن انفعالات الناس الوجدانية والوطنية والثورية، بالإضافة إلى تأثيرها الكبير في المزاج العام.ومن الأغاني الحماسية والتعبوية التي تحضر اليوم، بالتزامن مع وصول الدعم الأميركي والغربي وغيره لجيش الإحتلال وعدوانه الوحشي على غزة، أغنية «وين الملايين» التي كتبها الشاعر الليبي علي الكيلاني وغنّتها كل من: جوليا بطرس من لبنان وسوسن حمامي من تونس وأمل عرفة من سوريا أثناء انتفاضة الحجارة في عام 1987.
وتعود هذه الأغنية للحضور بالتزامن مع دويّ صفارات الإنذار في فلسطين المحتلة والقصف الجوي على غزة، إلى معظم الساحات والإذاعات والفضائيات العربية، لما تحمله من كلمات ثورية تمتاز بالعفوية والوضوح والمباشرة وايقاع حماسي يظهر فيه العلاقة الوثيقة ما بين الأصوات واللحن والكلمات المرتبطة بالنبض الوجداني الشجي والموسيقى والآهات التي تحاكي الواقع الفلسطيني ونداءات صموده الأسطوري في غزة وعموم فلسطين.
ويتردّد صدى هذه الأغنية اليوم في الساحات والميادين العربية وفي كل المخيمات الفلسطينية بالداخل والشتات، مستعيدة حضورها بشكل قوي بعد عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الهمجي على غزة، مجددة طرح السؤال المكرر منذ عقود على الشعوب العربية وهو «وين الملايين» من العرب والمسلمين والمسيحيين وقوى اليسار والوسط المحافظين من كل الاتجاهات. «وين الملايين» من النخب المثقفة والمجففة والتي لا تلصق كالتيفال. «وين الملايين» من الأنظمة والحكومات وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومنظمة «الأوبك» والوحدة الإفريقية ومنظمة التعاون الإسلامي، وصولاً إلى جمهور إليسا وشيرين وعمرو دياب.
و«وين الملايين» في ظل سعي نتنياهو لتجنيد العالم ضد فلسطين وشعبها ومقاومتها وللحصول على أسلحة ومقاتلين مرتزقة من عدة جنسيات. «وين الملايين» من الدعم الصارخ والوقح من قبل الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً وأمنياً وسياسياً لقتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم الأبراج السكنية والمنازل والمساجد والمراكز الصحية في قطاع غزة.
«وين الملايين» من تصريحات قيادات دول عربية تدعو ما تسميه بالطرفين إلى ضبط النفس، دون أي مسحة خجل أو تمييز ما بين الضحية والجلاد وكأنهم يقدمون الأعذار لنتنياهو وجيشه لتنفيذ المزيد من عمليات القتل والتدمير في غزة.
«وين ملايين» العرب وأسلحة العرب وحكومات العرب وحاملات شاحناتهم وسياراتهم ودراجاتهم النارية والهوائية، من صرخات شعب الجبارين في غزة التي تدمر وتحرم من الماء والكهرباء والدواء وكل وسائل الحياة.
مع التذكير بأن سؤال «وين الملايين» هو بالأساس موجّه إلى الشعوب العربية وليس إلى الأنظمة كي تثبت جدارتها بالحياة وتقف وقفة عز مع الروح المقاتلة في غزة وصرخات الأطفال وأنين الجرحى، وكي يقوموا بالوسائل المتاحة والممكنة لوقف آلة الموت والدمار الصهيونية، علماً أنك لو سألت الآن طفلاً في غزة «وين الملايين» لقال: «توت توت».

* كاتب فلسطيني