تتواصل «الذلّات» التي تقع فيها بعض القنوات اللبنانية في تناولها لأحداث فلسطين، في مشهد يطرح كثيراً من الأسئلة عن تعمّد تكراره بهذه الوتيرة، أو على الأقلّ عن طريقة تحرير الأخبار والتدقيق فيها في حال كان يحدث سهواً. قد يكون هناك مبرّر لطريقة تعاطي الإعلام الغربي بغالبيته مع الأحداث، وهو إعلام يتبع لشركات أو حكومات عُرفت دوماً بدعمها للصهيونية وجاهرت بذلك، لكن ما من مبرّر أن تنقل قناة لبنانية مثلاً أخباراً عن «جيش» الاحتلال يكذّب فيها جرائمه لإخفائها، وتصل حدّ موافقة المتحدّث باسمه الرأي على هوائها؟بدأت مقدّمة نشرة أخبار mtv المسائية أوّل من أمس الثلاثاء بطريقة عادية تضمنّت لهجةً تدين جرائم الكيان المحتلّ، فافتتحت: «غزّة موزّعة بين طبول الحرب ومساعي السلام.

كارلوس لطوف ـ البرازيل

حتّى الآن طبول الحرب هي الأقوى، وخصوصاً أن آلة الموت الإسرائيلية تواصل استهداف الناس الأبرياء في بيوتهم وأماكن نزوحهم. كما أنّ الحرب النفسية من المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين مستمرّة».... حتّى إنّ القناة أوردت في مقدّمتها بأنّ «الغزّاويّين متشبّثون بأرضهم وصامدون». لكنّ نهاية المقدّمة لم تكن كبدايتها، فما ينطبق على فلسطين بالنسبة إلى mtv لا ينطبق على لبنان، إذ قرّرت مخاطبة المتحدّث باسم جيش العدوّ لتأييد ما قاله بل المزايدة عليه، فقالت: «الوضع المتدهور جنوباً دفع المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إلى القول على منصة X إنّ على دولة لبنان أن تسأل نفسها إن كانت تريد المخاطرة بلبنان من أجل مخرّبي داعش في غزّة، كما قال. فعن أيّ دولة يتحدّث أدرعي؟ ألم يسمع ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو اليوم على رأس السلطة التنفيذية، عن أنّ قرار الحرب والسلم ليس في يد الحكومة؟». هكذا، أعلنت القناة موافقتها على ما قاله أدرعي عن «المخاطرة بلبنان من أجل مخرّبي داعش في غزّة» مع التلميح بسخرية إلى أنّ الدولة التي يخاطبها غير موجودة، أي كأنّها تقول له «ما من أحد يسمعك»، وتدعو الدولة إلى الإصغاء. تناست mtv عمداً أنّ قرار الحرب بيَد العدوّ الذي بدأ هجومه على لبنان بدءاً من أوائل أربعينيات القرن الماضي، مروراً بقصف طائرة مدنية بركّابها سنة 1950 وهجومات ما قبل حرب 1975، وصولاً حتّى ما قبل تحرير الجنوب وما بعده. تناست أيضاً أنّ المقاومة تفرض السلم بالقوّة عبر توازن الردع، والأهمّ أنّها تناست شهيد الصحافة اللبنانية عصام عبدالله الذي لم تجفّ دماؤه بعد، كأنّ قصف صحافيّين على نحو متعمّد لا يُعدّ بمنزلة إعلان حرب!
لم تتوقّف وقاحة القناة هنا. بعد مجزرة مستشفى المعمداني في غزّة، نقلت أخباراً عاجلة على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أحدها حُذف بعد الانتقادات الواسعة التي طالته، وهو كان منقولاً عن جيش العدوّ. الخبر كان: «الجيش الإسرائيلي: ليست لدينا معلومات عن تقارير قصف مستشفى في غزّة». بكلّ صفاقة، تجاهلت القناة الفيديوات كلّها التي تُظهر الضحايا، كما تجاهلت منشورات المسؤولين الإسرائيليّين التي حُذفت في ما بعد وكانوا يعترفون فيها بأنّ كيان الاحتلال هو المسؤول عن المجزرة، لا لسبب سوى لإعجابها بالرواية الإسرائيلية التي تلصق الجريمة بـ«الجهاد الإسلامي». لو كانت نيّتها غير ذلك، ألم يكن ممكناً استخدام عبارات مثل «الزعم» أو «الادّعاء»، وهي دائماً ما استخدمتها في نقدها لسياسيّين في الداخل لا تستسيغهم، خصوصاً مع معرفة الجميع مرتكب الجريمة؟ وهل تظنّ أنّ بحذفها للمنشور، تُنسي الناس ما فعلته وتبيّض صفحتها؟