قبل عام من «رئاسيات أميركا 2024»، يَجد الرئيس الأميركي، جو بايدن، نفسه محاطاً بتحدّيات داخلية (وخارجية) مستعصية، ترتسم ملامحها على أكثر من صعيد، منها هبوط مستوى شعبيته إلى 37%، واتّساع نطاق الانقسام داخل حزبه بين الجناحَين «التقليدي»، و»التقدّمي»، وسط حالة من التململ في أوساط الناخبين الديموقراطيين، ولا سيما العرب والمسلمين منهم. هذا التململ اكتسب دفعاً جديداً مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتبلوُر موقف إدارة بايدن الداعم بلا شروط لحكومة بنيامين نتنياهو، وما اعتبره مسؤولوها «حقّ إسرائيل و(واجبها) في الدفاع عن نفسها»، لتبرير رفضهم الدعوات إلى وقف إطلاق النار، وصولاً إلى حدّ التشكيك في عدد الشهداء الفلسطينيين. وفي محاولته إظهار «انفتاحه» على الاستجابة لهواجس الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، على خلفية ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والمخاوف من تنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، اجتمع بايدن إلى وفد من كبار شخصيات الجالية ونخبها، ضمّ المدعي العام لولاية مينيسوتا، كيث إليسون، والناشط في «منظمة المناصرة السياسية الإسلامية» (Emgage)، وائل الزيّات، والمدير الديني التنفيذي لـ»مركز المجتمع الإسلامي» في منطقة دالاس في ولاية فرجينيا، إضافة إلى الناشط السياسي الأميركي الفلسطيني، ومدير «شبكة العمل الإسلامي» في شيكاغو، رامي نشاشبي، وأستاذة طب الأسرة في جامعة كاليفورنيا، سوزان بركات.
خيبة أمل مسلمي أميركا: «هل نتعامل مع دعاة حرب»؟
وما كان يُفترض أنّه ينمّ عن بادرة «حسن نيّة» من جانب الإدارة، ظَهر مختلّاً في الشكل والمضمون، منذ ما أُشيع عن استبعاد البيت الأبيض عدداً من الوجوه البارزة التي كانت قد أدلت بمواقف علنية مناهضة لمحاباة بايدن لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، ومندّدة بـ»الإبادة الجماعية» في غزة، من جهة، وتحفّظات شخصيّات من الجالية على فكرة اللقاء مع الرئيس من أصلها، احتجاجاً على عدم استعداد الإدارة لتغيير سياستها التي تتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية لأحكام القانون الدولي، من جهة ثانية. الاجتماع الذي جرى يوم السادس والعشرين من الشهر المنصرم - بعد لقاء مماثل أجراه هؤلاء مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن في الـ 24 منه -، وصفته شخصيات حضرته بـ»العرض التافه بغير جدوى» و»المحبِط»، فيما كشفت مصادر مطلعة أن المشاركين فيه استغلّوا الفرصة للتحدّث إلى بايدن ومساعديه حول وحشية إسرائيل في غزة، وضرورة وقف إطلاق النار، ودعوا البيت الأبيض إلى إظهار المزيد من التعاطف الرسمي إزاء الفلسطينيين، والإقلاع عن اللغة «اللا-إنسانية» في حقّهم، إضافةً إلى اتخاذ تدابير للتصدّي لخطاب الكراهية المتزايد ضدّ المسلمين، فضلاً عن الإعراب عن رفضهم تصريحات أبدى فيها الرئيس «عدم الثقة» في إحصائيات الضحايا التي قدّمها المسؤولون الفلسطينيون في القطاع.
تراجعت شعبية بايدن بين الناخبين العرب الأميركيين إلى 17%، في مقابل 59% كان قد حصل عليها عام 2020


وفي هذا السياق، أشار موقع «ميدل إيست آي» إلى أن إدارة بايدن لم تفشل فقط في طمأنة الفلسطينيين إلى أن لديها نيّة للحدّ من الخسائر الكبيرة في الأرواح في غزة، بل هي لم تَظهر أيضاً أنها في عجلةٍ من أمرها لتقديم خريطة طريق لوقف الاعتداءات الإسرائيلية. عوضاً عن ذلك، اكتفت الإدارة بالتركيز على إظهار القلق ممّا يجري، والحديث عن «بذل كل ما في وسعها» لإقرار ما سمّته «هدنة» إنسانية للسماح بدخول الغذاء والماء والدواء إلى غزة، وذلك من دون إعطاء أيّ إشارة حول إجراءات محدّدة ستتّخذها لوضع حدّ للتصعيد.
من جهتها، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أحد المشاركين في الاجتماع، قوله إن «الكارثة الإنسانية في غزة تجعل هذا الوقت أنسب للأصوات (الأميركية) الفلسطينية، بما فيها أصوات المسيحيين»، واستدراكه بـ»أنني لست منزعجاً في شأن مَن حضر الاجتماع، بل منزعج في شأن مَن لم يُدعَ إلى الحضور، بحيث ستخرج الإدارة الأميركية بعدها علينا لتقول إنها أنجزت خطوة، وإن بايدن التقى بالجالية العربية الأميركية، وهذا ليس صحيحاً». ونبّه المصدر إلى أن «أحد المخاوف الرئيسة كان من عدم سماح البيت الأبيض إلّا بحضور أميركي فلسطيني واحد فقط»، فيما علّق آخر بأن «مخاوف الجالية المسلمة يمكن تلخيصها في سؤال بالغ الأهمية: هل نتعامل مع دعاة حرب أم نتعامل مع صانعي سلام؟».

الصوت المسلم في «الرئاسيات»: بين خيار المقاطعة والمرشح الثالث
إزاء هذا الواقع، بدأت مشاعر الإحباط من إدارة بايدن لدى المسلمين الأميركيين، بشكل عام، تتفشّى في أوساط هذه الشريحة من مؤيّدي الحزب الديموقراطي، بشكل خاص. تلك المشاعر، يعبّر عنها عمدة مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان، عبد الله حمود، عن الحزب نفسه، وهو من أصول عربية مسلمة، قائلاً إن «ما أسمعه من أفراد الجالية المسلمة (المؤيدة للديموقراطيين تاريخياً)، هو الشعور بأنه جرى طعنهم في الظهر»، لافتاً إلى أن هؤلاء يشعرون بأن «المبادئ السامية التي ناضلنا معاً للنهوض بها، وترسيخها، لا يحترمها الحزب الذي تعهّدنا بتأييده مراراً وتكراراً». الشعور نفسه، يعرب عنه الناشط السياسي من أصول فلسطينية، آدم أبو صلاح، الذي تولّى مهام تنظيمية وإدارية في حملة بايدن الرئاسية عام 2020، في الولاية، مستذكراً بأنّه «في ذلك الوقت، كنت أعتقد بأن بايدن هو المرشّح الأفضل لتولّي القيادة بحسّ عاطفي وإنساني». ويكمل أبو صلاح مبدياً غضبه جرّاء تجدّد التصعيد في الشرق الأوسط، معتبراً أن «نهج الإدارة الحالية تجاه المسائل المتعلّقة بالفلسطينيين وإسرائيل لا يمكن تمييزه عن ذلك الذي كان سائدا في عهد دونالد ترامب». كذلك، يُظهر استطلاع للرأي أجرته شركة «John Zogby Strategies» لمصلحة «المعهد العربي الأميركي»، تراجع شعبية بايدن بين الناخبين العرب الأميركيين إلى 17%، في مقابل 59% كان قد حصل عليها عام 2020، علماً أن الاستطلاع أُجري بالتزامن مع العدوان على غزة.
وتنبئ هذه المعطيات بتوجّه قطاع واسع من المسلمين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، بما يطرحه الأمر من «مخاطر» باتت تتهدّد حظوظ الرئيس الحالي في ولاية ثانية، ولاسيما أن أصوات المسلمين في ما يُعرف بـ»الولايات المتأرجحة»، كميشيغان، لعبت دورها في ترجيح كفته مقابل ترامب في انتخابات عام 2020، حيث فاز بفارق 154 ألف صوت، من بينها 145 ألفاً من أصوات المسلمين في الولاية، فيما حصد «المرشّح الديموقراطي»، وقتذاك، نحو 70% من أصوات الجالية المسلمة على مستوى الولايات ككلّ. وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ المساعد في قسم التاريخ في جامعة ميشيغان، هاني باواردي، في وقفة طلابية رُفعت خلالها الشموع تضامناً مع غزة، إنّه «يتشارك مع العديد من طلابه مشاعر الخيبة نفسها إزاء تعاطي حكومة بلادهم مع الأوضاع في غزة»، مشجّعاً إيّاهم في الوقت نفسه على عدم الإحجام عن الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة، من منطلق رفضهم إعادة انتخاب بايدن، أو أيّ من المرشّحين الجمهوريين. ويبدي الباواردي حماسهً لتأييد مرشّح رئاسي ثالث من خارج الحزبَين التقليديَّين، على غرار ما حصل في انتخابات عام 2000، مع ظهور المرشّح رالف نادر، مضيفاً: «(إنّني) لا أرى أيّ سبيل آخر سوى تكرار ما حصل في ذلك العام».