تناولت صحيفة «واشنطن بوست» حقيقة وجود «صدع» في العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موضحةً أنّ «الخلافات» بين الرجلَين تتمحور في الوقت الراهن حول «إستراتيجية الخروج» من غزة. واستعرضت الصحيفة الأميركية التباينات بين موقفَي كلّ من بايدن ونتنياهو ممّا يُسمى «حل الدولتَين»، و»إقامة دولة فلسطينية مستقلّة»، موضحة أنّ «الزعيمين، على ما يبدو، يعربان عن اختلافهما علناً في شأن تحديد الجهة التي يتعيّن عليها أن تمسك بزمام الأمور داخل قطاع غزة في عالم ما بعد حماس». وإذا كان الأول قد أوجز «رؤيته» في هذا الصدد، حين أعلن في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي، أنّ التسوية «يجب أن تقوم على أساس حل الدولتَين»، داعياً إلى «بذل جهد مكثّف من جميع الأطراف، بمَن فيهم الإسرائيليون والفلسطينيون والشركاء الإقليميون والقادة العالميون، ما يعيدنا إلى المسار الصحيح نحو السلام»، فقد أراد الثاني، المعروف برفضه لإقامة دولة فلسطينية بأيّ شكل من الأشكال، وانتقاده المتكرّر للسلطة الفلسطينية، ومن خلال إعلانه أنّ الجيش الإسرائيلي بصدد السعي لفرض «سيطرة أمنية كاملة على غزة» مستقبلاً، الإيحاء بأنّ «إسرائيل وحدها هي القادرة على خلق الظروف الملائمة لحفظ أمنها من الهجمات الإرهابية»، في إشارة إلى تجاهل تطلّعات بايدن، وفق تعبير الصحيفة.وانطلقت «واشنطن بوست» من تلك المواقف للقول إنّه «لا يوجد أيّ مؤشّر إلى أن الزعيمَين يتشاركان رؤية بعيدة الأمد في شأن (مستقبل) غزة»، مبيّنةً، في الوقت نفسه، أن ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من إشارة إلى ضرورة قيام ما وصفه بـ»سلطة فلسطينية فعّالة، ومعاد تأهيلها» في قطاع غزة في فترة ما بعد الحرب، هو تلميح إلى «سلطة فلسطينية مفترضة، أو غير موجودة حالياً»، ويحمل دلالات على وجود «نقطة واحدة، على الأقلّ، يتوافق الجانبان في شأنها، وهي أن السلطة الفلسطينية في شكلها الحالي غير قادرة على تولّي الحكم في هذا القطاع المحاصَر». وبحسب الصحيفة، فإن البحث في السيناريوات «الافتراضية» لفترة «ما بعد حركة حماس في غزة، لا يزال سابقاً لأوانه»، في ظلّ استمرار الحركة في التصدّي للقوات الإسرائيلية، وأيضاً في ظلّ استمرارها في إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات الإسرائيلية.
وعن اختلاف المقاربتَين الأميركية والإسرائيلية أيضاً، قالت الصحيفة إنّه «من الواضح أن إدارة بايدن كانت مدركة لمخاوف القادة العرب في شأن نوايا إسرائيل»، كتلك المتعلّقة بمخطّطات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لافتة إلى تكرار الرئيس الأميركي ومساعديه رفضهم تلك المخطّطات، فيما كان نتنياهو يحثّ عدداً من البلدان الأوروبية للضغط على مصر ودفْعها إلى استقبال لاجئي غزة. ونبّهت الصحيفة إلى «تحذيرات متصاعدة» بات يثيرها الدعم الأميركي للحملة الإسرائيلية، مشيرةً إلى أنّ الدعم المذكور «سوف تترتّب عليه تكاليف على مستوى النفوذ الذي تتمتّع به واشنطن داخل البلدان الإسلامية، لسنوات قادمة، وسط مخاوف من إمكانية تغذية مشاعر العداء للولايات المتحدة في تلك البلدان لجيل كامل»، في إشارة إلى انعكاسات السياسة الأميركية على موقف حلفاء الولايات المتحدة في العالمَين العربي والإسلامي.
وشكّكت الصحيفة في جدّية ما يعلنه القادة الأميركيون من دعمهم «حل الدولتَين»، مبيّنةً أنّه «ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت دعوات بايدن العلنية إلى حل الدولتَين تأتي بمثابة ثقل موازن لدعمه القوي للعملية العسكرية الإسرائيلية». وعقّبت بالقول إنّ «الكلمات ستكون أكثر فاعلية إذا ما اقترنت بالأفعال». وفي هذا الصدد، قال مدير برنامج الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية»، جون ألترمان، إن «تقييم حجم النفوذ الأميركي (بخصوص حل الدولتَين) ليس مقروناً بالكيفية التي يتمّ من خلالها الانطلاق في هذا المسار، بل بالحصيلة النهائية التي يسفر عنها».

مستشفى الشفاء: الكذب الإسرائيلي مقدّمة لضربه
بدورها، توقّفت صحيفة «نيويورك تايمز» عند الواقع الإنساني المتفاقم داخل مستشفى «الشفاء»، الواقع في شمال قطاع غزة، في ظلّ إحكام الحصار عليه من قِبَل القوات الإسرائيلية، لافتةً إلى أن المئات من الجرحى والنازحين، إضافةً إلى المرضى المصابين بأمراض مستعصية ما زالوا محاصَرين داخل المستشفى بفعل احتدام المعارك في محيطه. كما سلّطت الضوء على حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية على المرفق الصحي، وتدابير الحصار المصاحبة لها، خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدة «وفاة» خمسة مرضى على الأقل منذ يوم السبت، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي مع نفاد الوقود، من بينهم أطفال خُدّج في الحاضنات، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة.
حملة القصف الإسرائيلي العنيف المتواصل على غزة، تنذر بـ»أكبر كارثة دبلوماسية» عرفتها إسرائيل على الإطلاق


وأشارت الصحيفة الأميركية إلى دور «المجمع الطبي الضخم» في سردية طرفَي الصراع، معتبرة أنّه بات «رمزاً لعدم إنسانية الطرف المقابل» لدى الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء، معتبرة أنّ مزاعم الجيش الإسرائيلي في شأن توفير «ممرّ آمن» لإخلاء المستشفى (...) بمثابة مؤشر إلى وجود نوايا عدوانية إسرائيلية لضرب المستشفى بزعم احتوائه على مبانٍ تستخدمها حركة حماس»، فيما أكّدت، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، وجود خطط من هذا النوع. ومن بين هؤلاء، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليتش، الذي كشف أنّه «سيصار إلى تطويق المستشفيات، بهدف الضغط على الناس لمغادرتها»، مدّعياً أن القوات الإسرائيلية «لن تحمل على المدنيين، على نحو متهوّر»، مع تشديده على أنّه «يجب إخلاء المستشفى بالكامل، أو ما تحته على الأقل». وفي هذا الصدد، أوردت الصحيفة الأميركية، تأكيد كلّ من حركة «حماس»، ومسؤولي المستشفى أن المجمع الاستشفائي لا يؤوي إلّا المرضى والجرحى والأطقم الطبية العاملة فيه. وأوضحت أنّه «وفق تقديرات معظم الفلسطينيين، فإن مدى تواتر الحديث عن مستشفى الشفاء، بشكل كبير (على ألسنة القادة الإسرائيليين)، إنّما هو بمثابة مؤشر إلى استعداد إسرائيل لاستهداف المستضعفين ممَّن لا حول لهم ولا قوّة، بمَن فيهم المدنيون، وذلك من دون مبرّر». ونقلت، في هذا الإطار، عن مدير المستشفى، الدكتور محمد أبو سلمية، تكذيبه للادّعاءات الإسرائيلية باعتبارها «غير صحيحة»، وتأكيده توقّف المستشفى عن استقبال مرضى جدد، في ظلّ نقص الطعام والإمدادات الأخرى. وفي الاتجاه نفسه، نفى كل من مادس غيلبرت، وإريك فوس، وهما طبيبان نروجيان كانا في عداد الفريق الطبي العامل في مستشفى «الشفاء» في فترة سابقة على بدء العدوان الدائر على غزة، صحّة ما تشيعه الدوائر الأمنية والإعلامية والسياسية الإسرائيلية حول ما يدور في المستشفى.
في المقابل، علّقت الصحيفة على تناقضات حديث مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، حين حذّر الجانب الإسرائيلي من أنّ «الولايات المتحدة لا تريد أن ترى معارك بالأسلحة النارية في المستشفيات، حيث يقع الأبرياء والمرضى الذين يتلقّون الرعاية الطبية في مرمى النيران»، على رغم زعمه في الوقت نفسه أنّ «حماس» تستخدم المستشفيات والمرافق المدنية الأخرى كـ»دروع بشرية»، للدلالة على تبنّي واشنطن ما يروّجه المسؤولون الإسرائيليون من مزاعم في هذا الشأن. ونقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، ما وصفوه بـ»معلومات استخبارية حسّاسة»، تخلص إلى أن «حماس استخدمت شبكات الأنفاق تحت المستشفيات، ولا سيما مستشفى الشفاء، كمقرّات للقيادة والسيطرة، ومخازن للأسلحة خاصة بها»، موضحةً أنّ تلك المعطيات «لا توفّر دليلاً قاطعاً على وجود مجمع كبير (تابع لحماس) تحت منطقة الشفاء».
واستعرضت الصحيفة جوانب مختلفة من الادّعاءات الإسرائيلية حول بناء حركة «حماس» مقارَّ عسكرية وقيادية مزعومة تحت «الشفاء»، من بينها صور ثلاثية الأبعاد، فضلاً عن مقاطع تسجيلية لِما قال الجيش الإسرائيلي إنها اتصالات بين كوادر من «حماس»، وأخرى مصوّرة لِما زعم أنها أنشطة أمنية تحت المجمع تنسبها إسرائيل إلى عناصر وكوادر من الحركة، كاشفة أنّ ثمانية مسؤولين عسكريين واستخباريين إسرائيليين حاليين وسابقين، من بينهم قادة سابقون في جهازَي «الشاباك» و»الشين بيت»، جزموا بصحة الرواية الإسرائيلية، حيث «أوردوا تفاصيل جديدة بخصوص ما تعتقد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنها ستجده» تحت المجمع، بالاستناد إلى مزاعم سبق أن روّجت لها «منظمة العفو الدولية»، في شأن قيام «حماس» بربط تلك المقارّ، وهي كناية عن عدّة طوابق تشمل مخازن، وغرفاً للمعيشة، وأخرى مخصّصة للاجتماعات، بشبكة واسعة من الأنفاق التي كانت تبنيها في جميع أنحاء غزة، على حدّ تعبير الصحيفة الأميركية. وشدّدت أيضاً على أنه «من المستحيل التحقُّق من جهة مستقلّة»، حول الادّعاءات التي تروّج لها إسرائيل في شأن المستشفى الذي بات «أحد الأهداف الرئيسيّة لإسرائيل في الحرب، والذي لن توفّره، على الرغم من تصاعُد حدّة الاحتجاج الدولي الداعي إلى تحييده، إضافة إلى باقي مستشفيات (غزة)» عن المعارك.

«أكبر كارثة دبلوماسية على الإطلاق»
من جانبها، عرّجت صحيفة «غارديان» البريطانية على تطوّرات الأوضاع في مستشفى «الشفاء»، مؤكدة أنّ «فرض السيطرة عليه يُعدّ هدفاً إسرائيلياً رئيساً لأسباب عسكرية وسياسية»، وذلك بالنظر إلى قربه من الطريق الرئيسيّ الواصل بين مناطق الشمال والجنوب في القطاع. وفي معرض حديثه إلى الصحيفة البريطانية، التي تنحو نحو تبنّي جانب كبير من الرواية الإسرائيلية حول «الشفاء»، ولا سيما ما تشيعه تل أبيب حول احتوائه على مبانٍ تحت الأرض تديرها حركة «حماس»، يقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية، كوبي مايكل، من «معهد دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، إنّه «في هذه الحرب، يتعيّن علينا تفكيك كلّ عناصر قوّة حركة حماس، على نحو يمنعها من أن تطرح نفسها مجدّداً سواء كحكومة، أو كتهديد عسكري (لإسرائيل)». وإذ يشدّد على أنّ التعاطي الإسرائيلي مع «حماس» في الفترة الحالية يجب أن ينحصر في مستوى سياسي وعسكري، فقد استدرك بأنّه «لا يمكننا معالجة (تهديد) حركة أيديولوجية من خلال القصف أو إطلاق النار، ذلك أن هذا الأمر يتطلّب وسائل مختلفة، وهو غير مرتبط بالأهداف المباشرة لهذه الحرب». وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن حملة القصف الإسرائيلي العنيف المتواصل على غزة، وعلى الرغم من تسجيل الجيش الإسرائيلي «نجاحاً نسبياً» هناك، تنذر بـ»أكبر كارثة دبلوماسية» عرفتها إسرائيل على الإطلاق، مشدّدة على أن «المخطّطين العسكريين الإسرائيليين يدركون جيداً أنّ الضغوط الدولية قد لعبت دورها في إيقاف الغزوات الإسرائيلية» في سلسلة من الحروب السابقة، كما في عامَي 1967 و1982. وذكّرت الصحيفة، بأنّ القوات الإسرائيلية «سارعت في تلك الحروب، إلى تحقيق مكاسب في الساعات الأخيرة قبل فرض وقف إطلاق النار عليها»، في إشارة إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية غالباً ما شُنَّت بغطاء دولي، محدود زمنياً.